يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار أي الذين يقربون منكم قربا مكانيا وخص الأمر به مع قوله سبحانه في أول السورة: (واقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ونحوه قيل: لأنه من المعلوم أنه لا يمكن [ ص: 50 ] قتال جميع الكفار وغزو جميع البلاد في زمان واحد فكان من قرب أولى ممن بعد، ولأن ترك الأقرب والاشتغال بقتال الأبعد لا يؤمن معه من الهجوم على الذراري والضعفاء، وأيضا الأبعد لا حد له بخلاف الأقرب فلا يؤمر به، وقد لا يمكن قتال الأبعد قبل قتال الأقرب وقال بعضهم: المراد قاتلوا الأقرب فالأقرب حتى تصلوا إلى الأبعد فالأبعد وبذلك يحصل الغرض من قتال المشركين كافة فهذا إرشاد إلى طريق تحصيله على الوجه الأصلح
ومن هنا قاتل صلى الله تعالى عليه وسلم أولا قومه ثم انتقل إلى قتال سائر العرب ثم إلى قتال قريظة والنضير وخيبر وأضرابهم ثم إلى قتال الروم فبدأ عليه الصلاة والسلام بقتال الأقرب فالأقرب وجرى أصحابه على سننه صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أن وصلت سراياهم وجيوشهم إلى ما شاء الله تعالى وعلى هذا فلا نسخ، وروي عن أن الآية منسوخة بما تقدم والمحققون على أنه لا وجه له وزعم الخازن تبعا لغيره أن المراد من الولي ما يعم القرب المكاني والنسبي وهو خلاف الظاهر، وقيل: إنه خاص بالنسبي لأنها نزلت لما تحرج الناس من قتل أقربائهم ولا يخفى ضعفه الحسن
وليجدوا فيكم غلظة أي شدة كما قال وهي مثلثة الغين وقرئ بذلك لكن السبعة على الكسر والمراد من الشدة ما يشمل الجراءة والصبر على القتال والعنف في القتل والأسر ونحو ذلك ومن هنا قالوا: إنها كلمة جامعة والأمر على حد - لا أرينك ههنا - فليس المقصود أمر الكفار بأن يجدوا في المؤمنين ذلك بل أمر المؤمنين بالاتصاف بما ذكر حتى يجدهم الكفار متصفين به ابن عباس واعلموا أن الله مع المتقين 123 بالعصمة والنصرة والمراد بهم إما المخاطبون والإظهار للتنصيص على أن الإيمان والقتال على الوجه المذكور من باب التقوى والشهادة بكونهم من زمرة المتقين، وأما الجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا، وأيا ما كان فالكلام تعليل تأكيد قبله