بلى رد لقولهم الذي زعموه، وإثبات لما تضمنه من نفي دخول غيرهم الجنة والقول بأنه رد لما أشار إليه قل هاتوا برهانكم من نفي أن يكون لهم برهان مما لا وجه له، ولا برهان عليه، من أسلم وجهه لله أي انقاد لما قضى الله تعالى وقدر أو أخلص له نفسه، أو قصده فلم يشرك به تعالى غيره، أو لم يقصد سواه، فالوجه إما مستعار للذات وتخصيصه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء، ومعدن الحواس، وإما مجاز عن القصد، لأن القاصد للشيء مواجه له، وهو محسن حال من ضمير (أسلم)، أي والحال إنه محسن في جميع أعماله، وإذا أريد بما تقدم الشرك يؤول المعنى إلى آمن وعمل الصالحات، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله : (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فله أجره أي الذي وعد له على ذلك، لا الذي يستوجبه، كما قاله رعاية لمذهب الاعتزال، والتعبير عما وعد بالأجر إيذانا بقوة ارتباطه بالعمل الزمخشري عند ربه حال من (أجره) والعامل فيه معنى الاستقرار، والعندية للتشريف، والمراد عدم الضياع والنقصان، وأتى بالرب مضافا إلى ضمير (من أسلم) إظهارا لمزيد اللطف به، وتقريرا لمضمون الجملة، والجملة جواب (من) إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة، والفاء فيها لتضمنها معنى الشرط، وعلى التقديرين يكون الرد بـ(بلى) وحده، وما بعده كلام مستأنف، كأنه قيل: إذا بطل ما زعموه فما الحق في ذلك، وجوز أن تكون (من) موصولة، فاعل ليدخلها محذوفا، (وبلى) مع ما بعدها رد لقولهم، ويكون فله أجره معطوفا على ذلك المحذوف عطف الاسمية على الفعلية، لأن المراد بالأولى التجدد وبالثانية الثبوت، وقد نص السكاكي بأن الجملتين إذا اختلفتا تجددا وثبوتا يراعى جانب المعنى فيتعاطفان، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون تقدم مثله، والجمع في الضمائر الثلاثة باعتبار معنى (من) كما أن الإفراد في الضمائر الأول باعتبار اللفظ، ويجوز في مثل هذا العكس إلا أن الأفصح أن يبدأ بالحمل على اللفظ، ثم بالحمل على المعنى لتقدم اللفظ عليه في الإفهام.