لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
قيل : وهذا الأدب يجب أن يقتفى مطلقا فلا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه في أن يسدي إليه معروفا ولا بالمضيف أن يستأذن ضيفه في أن يقدم إليه طعاما، فإن الاستئذان في مثل هذه المواطن أمارة التكلف والتكره ، ولقد بلغ من كرم الخليل صلوات الله تعالى وسلامه عليه وأدبه مع ضيوفه أنه لا يتعاطى شيئا من أسباب التهيؤ للضيافة بمرأى منهم فلذلك مدحه الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام بهذه الخلة الجميلة والآداب الجليلة فقال سبحانه : فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين أي ذهب على خفاء منهم كيلا يشعروا به ، وجوز أن يكون متعلق الاستئذان محذوفا و أن يجاهدوا بتقدير كراهة أن يجاهدوا ، والمحذوف قيل : التخلف عليه ، والمعنى لا يستأذنك المؤمنون في التخلف كراهة الجهاد ، والنفي متوجه للاستئذان والكراهة معا ، وقال بعض : إنه متوجه إلى القيد وبه ويمتاز المؤمن من المنافق وهو وإن كان في نفسه أمرا خفيا لا يوقف عليه بادئ الأمر لكن عامة أحوالهم لما كانت منبئة عن ذلك جعل أمرا ظاهرا مقررا .
وقيل : الجهاد أي لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد كراهة أن يجاهدوا ، وتعقب بأنه مبني على أن الاستئذان في الجهاد بما يكون لكراهة ، ولا يخفى أن الاستئذان في الشيء لكراهته مما لا يقع بل لا يعقل ، ولو سلم وقوعه فالاستئذان لعلة الكراهة مما لا يمتاز بحسب الظاهر من الاستئذان لعلة الرغبة ، لو سلم فالذي نفي عن المؤمنين يجب أن يثبت للمنافقين وظاهر أنهم لم يستأذنوا في الجهاد لكراهتهم له بل إنما استأذنوا في التخلف فتدبر والله عليم بالمتقين شهادة لهم بالتقوى لوضع المظهر فيه موضع المضمر أو إرادة جنس المتقين ودخولهم فيه دخولا أوليا وعدة لهم بالثواب الجزيل ، فإن قولنا : أحسنت إلي فأنا أعلم بالمحسن وعد بأجزل الثواب وأسأت إلي فأنا أعلم بالمسيء وعد بأشد العقاب ، قيل : وفي ذلك تقرير لمضمون ما سبق كأنه قيل : والله عليم بأنهم كذلك وإشعار بأن ما صدر عنهم معلل بالتقوى .