وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة عطف على فاعفوا كأنه سبحانه أمرهم بالمخالفة، والالتجاء إليه تعالى بالعبادة البدنية والمالية لأنها تدفع عنهم ما يكرهون، وقول الطبري : إنهم أمروا هنا بالصلاة والزكاة ليحبط ما تقدم من ميلهم إلى قول اليهود (راعنا) منحط عن درجة الاعتبار.
وما تقدموا لأنفسكم من خير أي أي خير كان، وفي ذلك توكيد للأمر بالعفو والصفح، والصلاة، والزكاة، وترغيب إليه، واللام نفعية، وتخصيص الخير بالصلاة والصدقة خلاف الظاهر، وقرئ (تقدموا) من قدم من السفر، وأقدمه غيره جعله قادما، وهي قريب من الأولى، لا من الإقدام ضد الإحجام.
تجدوه عند الله أي تجدوا ثوابه لديه سبحانه، فالكلام على حذف مضاف، وقيل : الظاهر أن المراد تجدوه في علم الله تعالى، والله تعالى عالم به، إلا أنه بالغ في كمال علمه، فجعل ثبوته في علمه بمنزلة ثبوت نفسه عنده، وقد أكد تلك المبالغة بقوله سبحانه : إن الله بما تعملون بصير حيث جعل جميع ما يعملون مبصرا له تعالى، فعبر عن علمه تعالى بالبصر مع أن قليلا مما يعملون من المبصرات، وكأنه لهذا فسر البصير بالعالم، وأما قول العلامة: إنه إشارة إلى نفي الصفات، وأنه ليس معنى السمع والبصر في حقه تعالى إلا تعلق ذاته بالمعلومات، ففيه أن التفسير لا يفيد إلا أن المراد من البصير ها هنا العالم، ولا دلالة على كونه الذات، أو زائدا عليه، ولا على أن ليس معنى السمع والبصر في حقه تعالى سوى التعلق المذكور، وقرئ (يعملون) بالياء، والضمير [ ص: 359 ] حينئذ كناية عن كثير، أو عن أهل الكتاب، فيكون تذييلا لقوله تعالى الزمخشري فاعفوا إلخ، مؤكدا لمضمون الغاية، والمناسب أن يكون وعيدا لأولئك، ليكون تسلية وتوطينا للمؤمنين بالعفو والصفح، وإزالة لاستبطاء إتيان الأمر، وجوز أن يكون كناية عن المؤمنين المخاطبين بالخطابات المتقدمة، والكلام وعيد للمؤمنين، ويستفاد من الالتفات الواقع من صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة، وهو النكتة الخاصة بهذا الالتفات، ولا يخفى أنه كلام لا ينبغي أن يلتفت إليه،