قرأ ، أبو عمرو ( تكون ) بالتاء الفوقية اعتبارا لتأنيث الجمع ، وعن ويعقوب أنه قرأ أيضا ( أسارى ) قال أبي جعفر : وقراءة الجماعة أقيس لأن أسيرا فعيل بمعنى مفعول ، والمطرد فيه جمعه على فعلى كجريح وجرحى وقتيل وقتلى ، ولذا قالوا في جمعه على أسارى : إنه على تشبيه فعيل بفعلان ككسلان وكسالى ، وهذا كما قالوا كسلى تشبيها لفعلان بفعيل ونسب ذلك إلى أبو علي ، وقال الخليل : إنه جمع أسرى فيكون جمع الجمع ، واختار ذلك الأزهري وقال : إن فعلى جمع لكل من أصيب في بدنه أو في عقله كمريض ومرضى وأحمق وحمقى الزجاج حتى يثخن في الأرض أي يبالغ في القتل ويكثر منه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الإسلام ويستولي أهله ، وأصل معنى الثخانة الغلظ والكثافة في الأجسام، ثم استعير للمبالغة في القتل والجراحة لأنها لمنعها من الحركة صيرته كالثخين الذي لا يسيل ، وقيل : إن الاستعارة مبنية على تشبيه المبالغة المذكورة بالثخانة في أن في كل منهما شدة في الجملة ، وذكر في الأرض للتعميم ، وقرئ ( يثخن ) بالتشديد للمبالغة في المبالغة تريدون عرض الدنيا استئناف مسوق للعتاب ، والعرض ما لا ثبات له ولو جسما ، وفي الحديث " " أي لا ثبات لها ، ومنه استعاروا العرض المقابل للجوهر ، أي تريدون حطام الدنيا بأخذكم الفدية ، وقرئ ( يريدون ) بالياء ، والظاهر أن ضمير الجمع لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا عرض حاضر والله يريد الآخرة أي يريد لكم ثواب الآخرة أو سبب نيل الآخرة من الطاعة بإعزاز دينه وقمع أعدائه ، فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وذكر نيل في الاحتمال الثاني قيل : للتوضيح لا لتقدير مضافين ، والإرادة هنا بمعنى الرضا ، وعبر بذلك للمشاكلة فلا حجة في الآية على عدم وقوع مراد الله تعالى كما يزعمه المعتزلة ، وزيادة لكم لأنه المراد ، وقرأ سليمان بن جماز المدني ( الآخرة ) بالجر وخرجت على حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه على جره ، وقدره عرض الآخرة وهو من باب المشاكلة وإلا فلا يحسن لأن أمور الآخرة مستمرة ، ولو قيل : إن المضاف المحذوف على القراءة الأولى ذلك لذلك أيضا لم يبعد ، وقدر بعضهم هنا كما قدرنا هناك من الثواب أو السبب ، ونظير ما ذكر قوله : أبو البقاء
أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد في الليل نارا
في رواية من جر نار الأولى ، وأبو الحسن يحمله على العطف على معمولي عاملين مختلفين والله عزيز يغلب أولياءه على أعدائه ( حكيم ) يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها كما أمر بالإثخان ونهى عن أخذ الفدية حيث كان الإسلام غضا وشوكة أعدائه قوية ، وخير بينه وبين المن بقوله تعالى : فإما منا بعد وإما فداء لما تحولت الحال واستغلظ زرع الإسلام واستقام على سوقه .[ ص: 34 ] أخرج ، أحمد وحسنه ، والترمذي ، والطبراني وصححه عن والحاكم رضي الله تعالى عنه قال : " ابن مسعود لما كان يوم بدر جيء بالأسارى وفيهم فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال العباس رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم لعل الله تعالى أن يتوب عليهم ، وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم ، وقال عمر رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا ، فقال عبد الله بن رواحة وهو يسمع ما يقول : قطعت رحمك ، فدخل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا ، فقال أناس : يأخذ بقول العباس ، وقال أناس : يأخذ بقول أبي بكر ، وقال أناس : يأخذ بقول عمر فخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : " إن الله تعالى ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله سبحانه ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة ، مثلك يا عبد الله بن رواحة مثل أبا بكر إبراهيم عليه السلام قال : فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا مثل أبا بكر عيسى عليه السلام قال : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا كمثل عمر موسى عليه السلام إذ قال : ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ومثلك يا مثل عمر نوح إذ قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا أنتم عالة فلا يفلتن أحد إلا بفداء أو ضرب عنق ، فقال عبد الله رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله إلا سهيل ابن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام ، فسكت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إلا سهيل ابن بيضاء " .
وعن رضي الله تعالى عنهما : " ابن عباس رضي الله تعالى عنه : فهوى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما قال عمر ولم يهو ما قلت ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر قاعدان يبكيان قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : " أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه صلى الله تعالى عليه وسلم " وأبو بكر . قال
واستدل بالآية على أن ، وتعقب بأنها إنما تدل على ذلك لو لم يقدر في ( ما كان لنبى ) لأصحاب نبي ولا يخفى أن ذلك خلاف الظاهر مع أن الإذن لهم فيما اجتهدوا فيه اجتهاد منه عليه الصلاة والسلام إذ لا يمكن أن يكون تقليدا لأنه لا يجوز له التقليد ، وأما أنها إنما تدل على اجتهاد منه عليه الصلاة والسلام إذ لا يمكن أن يكون تقليدا لأنه لا يجوز له التقليد ، وأما إنها إنما تدل على اجتهاد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا اجتهاد غيره من الأنبياء عليهم السلام فغير وارد لأنه إذا جاز له عليه الصلاة والسلام جاز لغيره بالطريق الأولى ، وتمام البحث في كتب الأصول ، لكن بقي ههنا شيء وهو أنه قد جاء من اجتهد وأخطأ فله أجر ومن اجتهد وأصاب فله أجران إلى عشرة أجور، فهل بين ما يقتضيه الخبر من ثبوت الأجر الواحد للمجتهد المخطئ وبين عتابه على ما يقع منه منافاة أم لا؟ لم أر من تعرض لتحقيق ذلك ، وإذا قيل : بالأول لا يتم الاستدلال بالآية كما لا يخفى . الأنبياء عليهم السلام قد يجتهدون وأنه قد يكون الوحي على خلافه ولا يقرون على الخطأ