وجاء مثل ذلك عن ابن عباس، وأبي موسى الأشعري.
وأخرج أبو داود، في الشمائل، والترمذي عن والنسائي، رضي الله تعالى عنهما قال: عبد الله بن عمر «انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقام عليه الصلاة والسلام فلم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع ثم رفع وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ثم نفخ في آخر سجوده ثم قال: رب، ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟ رب، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ونحن نستغفرك. ففرغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من صلاته وقد انمحصت الشمس».
وذهب إلى أن المنفي فيما مر عذاب الدنيا، وهذا العذاب عذاب الآخرة. أي: إنه يعذبهم في الآخرة لا محالة، وهو خلاف سياق الآية، و (ما) على ما عليه الجمهور وهو الظاهر استفهامية، وقيل: إنها نافية؛ أي: ليس ينفي عنهم العذاب مع تلبسهم بالصد عن الجبائي المسجد الحرام وما كانوا أولياءه أي: وما كانوا مستحقين ولاية المسجد الحرام مع شركهم، والجملة في موضع الحال من ضمير يصدون مبينة لكمال قبح ما صنعوا من الصدفان مباشرتهم للصد عنه مع عدم استحقاقهم لولاية أمره في غاية القبح، وهذا رد لما كانوا يقولون: نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء. إن أولياؤه أي: ما أولياء المسجد الحرام إلا المتقون من الشرك الذي لا يعبدون فيه غيره تعالى، والمراد بهم المسلمون، وهذه المرتبة الأولى من التقوى، وما أشرنا إليه من رجوع الضميرين إلى المسجد هو المتبادر المروي عن أبي جعفر وقيل: هما راجعان إليه تعالى، وعليه فلا حاجة إلى اعتبار الاستحقاق فيما تقدم آنفا إذ لم تثبت لهم ولاية الله تعالى أصلا بخلاف ولاية المسجد فإنهم كانوا متولين له وقت النزول فاحتيج إلى التأويل بنفي الاستحقاق، ويفسر المتقون حينئذ بما هو أخص من المسلمين، لأن ولاية الله تعالى لا يكفي فيها الإسلام بل لا بد فيها أيضا من المرتبة الثانية من التقوى، وإن وجدت المرتبة الثالثة منها فالولاية ولاية كبرى، وهذا ما نعرفه من نصوص الشريعة المطهرة والمحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، وغالب الجهلة اليوم على أن الولي هو المجنون ويعبرون عنه بالمجذوب، صدقوا ولكن عن الهدى، وكلما أطبق جنونه وكثر هذيانه واستقذرت النفوس السليمة أحواله كانت ولايته أكمل وتصرفه في ملك الله تعالى أتم، وبعضهم يطلق الولي عليه وعلى من ترك الأحكام الشرعية ومرق من الدين المحمدي وتكلم بكلمات القوم وتزيا بزيهم، وليس منهم في عير ولا نفير، وزعم أن من أجهد نفسه في العبادة محجوبا، ومن تمسك بالشريعة مغبونا، وإن هناك باطنا يخالف الظاهر إذا هو عرف انحل القيد ورفع التكليف وكملت النفس: والحسن،
وألقت عصاها واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
ويسمون هذا المرشد، صدقوا ولكن إلى النار، والشيخ صدقوا ولكن النجدي، والعارف صدقوا ولكن [ ص: 203 ] بسباسب الضلال، والموحد صدقوا ولكن للكفر والإيمان، وقد ذكر مولانا حجة الإسلام الغزالي هذا النوع من الكفرة الفجرة وقال: إن قتل واحد منهم أفضل عند الله تعالى من قتل مائة كافر، وكذا تكلم فيهم الشيخ الأكبر قدس سره في الفتوحات بنحو ذلك:إلى الماء يسعى من يغص بلقمة إلى أين يسعى من يغص بماء