وقيل: المراد النهي عن الخيانة بأن يضمروا خلاف ما يظهرون أو يغلوا في الغنائم، وأخرج عن أبو الشيخ يزيد بن أبي حبيب، رضي الله تعالى عنه أن المراد بها الإخلال بالسلاح في المغازي.
وذكر الزهري والكلبي «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة - وفي رواية - خمسا وعشرين. فسألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الصلح. كما صالح إخوانهم البيهقي، بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرعات من أرض الشام فأبى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ فأبوا وقالوا: أرسل لنا أبا لبابة رفاعة بن عبد المنذر وكان مناصحا لهم؛ لأن ماله وولده وعياله كان عندهم. فبعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأتاهم فقالوا: يا أبا لبابة، ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار بيده إلى حلقه؛ يعني أنه الذبح فلا تفعلوا. قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وشد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله تعالى علي، فلما بلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خبره قال: أما لو جاءني لاستغفرت له، أما إذا فعل ما فعل فإني لا أطلقه حتى يتوب الله تعالى عليه، فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله تعالى عليه فقيل له: يا أبا لبابة قد تيب عليك. فقال: والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هو الذي يحلني فجاءه عليه الصلاة والسلام فحله بيده ثم قال أبو لبابة: إن تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: يجزيك الثلث أن تصدق به ونزلت فيه الآية».
وقال كانوا يسمعون الشيء من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم [ ص: 196 ] فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنهوا عن ذلك. السدي:
وأخرج وغيره عن أبو الشيخ جابر بن عبد الله أن خرج من أبا سفيان مكة فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: إن بمكان كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن أبا سفيان بمكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا. فكتب رجل من المنافقين إلى أبا سفيان أن أبي سفيان محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم مريدكم فخذوا حذركم فنزلت.
وتخونوا أماناتكم عطف على المجزوم أولا والمراد النهي عن خيانة الله تعالى والرسول وخيانة بعضهم بعضا، والكلام عند بعض على حذف مضاف أي: أصحاب أماناتكم، ويجوز أن تجعل الأمانة نفسها مخونة، وجوز أن يكون الفعل منصوبا بإضمار أن بعد الواو في جواب النهي كما في قوله: أبو البقاء
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
والمعنى: لا تجمعوا بين الخيانتين، والأول أولى؛ لأن فيه النهي عن كل واحد على حدته بخلاف هذا فإنه نهي عن الجمع ولا يلزمه النهي عن كل واحد على حدته، وعن رضي الله تعالى عنهما تفسير الأمانات بالأعمال التي ائتمن الله تعالى عليها عباده، وقرأ ابن عباس (أمانتكم) بالتوحيد، وهي رواية عن مجاهد: ولا منافاة بينها وبين القراءة الأخرى. أبي عمرو، وأنتم تعلمون أي: تبعة ذلك ووباله. أو أنكم تخونون أو أنتم علماء تميزون الحسن من القبيح، فالفعل إما متعد له مفعول مقدر بقرينة المقام أو منزل منزلة اللازم، قيل: وليس المراد بذلك التقييد على كل حال.