فلو كنت في جب ثمانين قامة ورقيت أسباب السماء بسلم ليستدرجنك القول حتى تهره
وتعلم أني عنكم غير مفحم
في مطلق معناه، وقال بعضهم: هو استفعال من درج إما بمعنى صعد ثم اتسع فيه فاستعمل في كل نقل تدريجي سواء كان بطريق الصعود أو الهبوط أو الاستقامة، وإما بمعنى مشى مشيا ضعيفا ومنه درج الصبي وإما بمعنى طوى ومنه أدرج الكتاب ثم استعير لطلب كل نقل تدريجي من حال إلى حال من الأحوال الملائمة للمنتقل الموافقة لهواه، واستدراجه تعالى إياهم بإدرار النعم عليهم مع انهماكهم في الغي، ولذا قيل: وهذا يمكن حمله على الاستصعاد باعتبار نظرهم وزعمهم أن متواترة النعم أثرة من الله تعالى وهو الظاهر، وعلى الاستنزال باعتبار الحقيقة فإن الجبلة الإنسانية في أصل الفطرة سليمة متهيئة لقبول الحق لقضية: إذا رأيت الله تعالى أنعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج، فهو في بقاع التمكن على الهدى والدين [ ص: 127 ] فإذا أخلد إلى الأرض واتبع الشهوات وارتكب المعاصي والسيئات ينزل درجة درجة إلى أن يصير أسفل السافلين، وأيا ما كان فليس المطلوب إلا تدرجهم في مدراج المعاصي إلى أن يحق عليهم كلمة العذاب الأخروي أو الدنيوي على ما قيل على أفظع حال وأشنعها، وإدرار النعم وسيلة إلى ذلك كل مولود يولد على الفطرة. من حيث لا يعلمون أنه كذلك بل يحسبون أنه أثرة من الله تعالى، وقيل: لا يعلمون ما يراد بهم، والجار والمجرور متعلق بمضمر وقع صفة لمصدر الفعل المذكور أي: سنستدرجهم كائنا من حيث لا يعلمون.