قل أمر ربي بالقسط بيان المأمور به إثر نفي ما أسند أمره إليه تعالى من الأمور المنهي عنها والقسط على ما قاله غير واحد العدل وهو الوسط من [ ص: 107 ] كل شيء المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط .
وقال هو النصيب بالعدل كالنصف والنصفة ويقال : القسط لأخذ قسط غيره وذلك جور والإقساط عطاء قسط غيره وذلك إنصاف ولذلك يقال : قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل وهذا أولى مما قاله الطبرسي من أن أصله الميل فإن كان إلى جهة الحق فعدل ومنه قوله سبحانه : ( إن الله يحب المقسطين ) وإن كان إلى جهة الباطل فجور ومنه قوله تعالى : الراغب وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا والمراد به هنا على ما نقل عن جميع الطاعات والقرب . أبي مسلم
وروي عن ابن عباس أنه التوحيد وقول لا إله إلا الله والضحاك ومجاهد وأكثر المفسرين على أنه الاستقامة والعدل في الأمور والسدي وأقيموا وجوهكم أي توجهوا إلى عبادته تعالى مستقيمين غير عادلين إلى غيرها عند كل مسجد أي في وقت كل سجود كما قال الجبائي أو مكانه كما قال غيره فعند بمعنى في والمسجد اسم زمان أو مكان بالمعنى اللغوي وكان حقه فتح العين لضمها في المضارع إلا أنه مما شذ عن القاعدة وزعم بعضهم أنه مصدر ميمي والوقت مقدر قبله والسجود مجاز عن الصلاة وقال غير واحد : المعنى توجهوا إلى الجهة التي أمركم الله تعالى بالتوجه إليها في صلاتكم وهي جهة الكعبة والأمر على القولين للوجوب .
واختار المغربي أن المعنى إذا أدركتم الصلاة في أي مسجد فصلوا ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم والأمر على هذا للندب والمسجد بالمعنى المصطلح ولا يخفى ما فيه من البعد ومثله ما قيل : إن المعنى اقصد المسجد في وقت كل صلاة على أنه أمر بالجماعة ندبا عند بعض ووجوبا عند آخرين والواو للعطف وما بعده قيل معطوف على الأمر الذي ينحل إليه المصدر مع أن أي أن أقسطوا والمصدر ينحل إلى الماضي والمضارع والأمر وقال الجرجاني إنه عطف على الخبر السابق المقول لقل وهو إنشاء معنى وإن أبيت فالكلام من باب الحكاية .
وجوز أن يكون هناك قل مقدرا معطوفا على نظيره و أقيموا مقول له وأن يكون معطوفا على محذوف تقديره قل أقبلوا وأقيموا وادعوه أي اعبدوه مخلصين له الدين أي الطاعة فالدعاء بمعنى العبادة لتضمنها له والدين بالمعنى اللغوي وقيل : إن هذا أمر بالدعاء والتضرع إليه سبحانه على وجه الإخلاص أي ارغبوا إليه في الدعاء بعد إخلاصكم له في الدين كما بدأكم أي أنشأكم ابتداء تعودون (29) إليه سبحانه فيجازيكم على أعمالكم فامتثلوا أوامره أو فأخلصوا له العبادة فهو متصل بالأمر قبله وقال إنه متصل بقوله تعالى : الزجاج فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ولا يخفى بعده ولم يقل سبحانه يعيدكم كما هو الملائم لما قبله إشارة إلى أن الإعادة دون البدء من غير مادة بحيث لو تصور الاستغناء عن الفاعل لكان فيها دونه فهو كقوله تعالى : وهو أهون عليه سواء كانت الإعادة الإيجاد بعد الإعدام بالكلية أو جمع متفرق الأجزاء وإنما شبهها سبحانه بالإبداء تقريرا لإمكانها والقدرة عليها وقال قتادة المعنى كما بدأكم من التراب تعودون إليه كما قال سبحانه : منها خلقناكم وفيها نعيدكم وقيل المعنى كما بدأكم لا تملكون شيئا كذلك تبعثون يوم القيامة .
[ ص: 108 ] وعن أن المراد أن من ابتدأ الله تعالى خلقه على الشقوة صار إليها وإن عمل بأعمال أهل السعادة ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إليها وإن عمل بعمل أهل الشقاوة ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن كعب عن الترمذي عمرو بن العاص قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان فقال : أتدرون ما هذان الكتابان قلنا : لا يا رسول الله فقال للذي في يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا ثم قال للذي في شماله هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال أصحابه ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه فقال عليه الصلاة والسلام سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب أهل النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل ثم قال أي أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير .
وقريب من هذا ما روي عن من أن المعنى كما كتب عليكم تكونون وروي عن الحبر أن المعنى كما بدأكم مؤمنا وكافرا يعيدكم يوم القيامة فهو كقوله تعالى : ابن جبير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وعليه يكون قوله سبحانه