لجوازها من الجانبين ، نعم : يحرم الرد حيث وجب القبول ويكون خلاف الأولى حيث ندب ولم يرضه المالك وتثنية الضمير هنا لا ينافيها إفراده قبله خلافا لمن وهم فيه فقال لا وجه لذلك ؛ لأن هذا سياق آخر لا تعلق له بذلك بل يلزمه على تعلقه به فساد الحكم وهو تقييد قوله ولهما بحالة ارتفاعها ولا قائل به ( وأصلها ) ، ولو بجعل وإن كانت فاسدة بقيدها السابق ( الأمانة ) بمعنى أنها متأصلة فيها لا تبع كالرهن ؛ لأن الله تعالى سماها أمانة بقوله عز قائلا { ( ولهما ) يعني للمالك ( الاسترداد و ) للوديع ( الرد كل وقت ) فليؤد الذي اؤتمن أمانته } ولئلا يرغب الناس عنها وعلم من قولي وإن كانت فاسدة أنه لو شرط ركوبها ، أو لبسها كانت قبل ذلك أمانة وبعده عارية فاسدة ومن كلامه أنها لو بقيت في يده مدة بعد التعدي لزمه أجرتها لارتفاع الأمانة به ( وقد تصير مضمونة بعوارض منها أن يودع غيره ) ، ولو ولده وزوجته وقنه ، نعم : له كما سيأتي الاستعانة بهم حيث لم تزل يده لجريان العرف به ( بلا إذن ولا عذر فيضمن ) الوديعة ؛ لأن المالك لم يرض بأمانة غيره ولا يده أي يصير طريقا في ضمانها فعلم أن القرار على من تلفت عنده ما لم يكن الثاني جاهلا ؛ لأن يده يد أمانة كما علم مما مر في الغصب .
وللمالك تضمين من شاء فإن ضمن الثاني وهو جاهل رجع وإن كان التلف عنده [ ص: 106 ] على الأول ، أو عالم فلا ؛ لأنه غاصب ، أو الأول رجع على العالم لا الجاهل ( وقيل إن أودع القاضي لم يضمن ) ؛ لأنه نائب الشرع والأصح أنه لا فرق وإن غاب المالك ؛ لأنه قد لا يرضى به ، نعم : إن طالت غيبته أي عرفا وإن كان لدون مسافة القصر فيما يظهر جاز إيداعها له كما بحثه جمع ومحله في ثقة أمين وذلك ؛ لأنه نائبه ولأن في مصابرة حفظها مع طول الغيبة منعا للناس من قبولها ويلزم القاضي قبول عين الغائب إن كانت أمانة بخلاف الدين والمضمونة كما يأتي بما فيه قبيل القسمة ؛ لأن بقاءهما في ذمة المدين ويد الضامن أحفظ أما مع العذر كسفر أي مباح كما بحثه الأذرعي ومرض وخوف فلا يضمن بإيداعها عند تعذر المالك ووكيله لقاض أي أمين ثم لعدل كما يعلم مما يأتي ونوزع في التقييد بالمباح ويرد بأن إيداعها لغيره رخصة فلا يبيحها سفر المعصية ( وإذا لم يزل ) بضم التحتية فكسر ويصح بضم الفوقية ففتح وعكسه ( يده عنها جازت ) له ( الاستعانة بمن يحملها ) ، ولو خفيفة أمكنه حملها من غير مشقة على الأوجه ( إلى الحرز ) أو يحفظها ، ولو أجنبيا إن بقي نظره عليها كالعادة وهل يشترط كونه ثقة الذي يظهر نعم : إن غاب عنه لا إن لازمه كالعادة ويؤيده ما يأتي أنه لو أرسلها مع من يسقيها وهو غير ثقة ضمنها ، وقولهم متى كانت بمخزنه فخرج واستحفظ عليها ثقة يختص به أي بأن يقضي العرف بغلبة استخدامه له فيما يظهر ويحتمل ضبطه بمن لا يستحيي من استخدامه لم يضمن وإن لم يلاحظه بخلاف ما إذا استحفظه غير ثقة ، أو من لا يختص به ، أو وضعها بغير مسكنه ولم يلاحظها ( أو يضعها في خزانة ) بكسر الخاء من خشب ، أو بناء مثلا كما شمله كلامهم ( مشتركة ) بينه وبين الغير .
ويظهر أنه يشترط ملاحظته لها وعدم تمكين الغير منها إلا إن كان ثقة ( وإذا أراد سفرا ) مباحا كما مر وإن قصر وظاهر مما قدمته أن التقييد بالمباح هنا ليس بالنسبة للرد للمالك أو وكيله بل لمن بعدهما ( فليرد إلى المالك ) ، أو وليه ( أو وكيله ) العام أو الخاص بها حيث لم يعلم رضاه ببقائها عنده فيما يظهر لا سيما أن قصر السفر كالخروج لنحو ميل مع سرعة العود ومتى ردها مع وجود أحدهما لقاض أو عدل ضمن وفي جواز الرد للوكيل إذا علم فسقه وجهله الموكل وعلم من حاله أنه لو علم فسقه لم يوكله نظر ظاهر ( فإن فقدهما ) لغيبة ، أو حبس [ ص: 107 ] مع عدم تمكن الوصول لهما ( فالقاضي ) يردها إليه إن كان ثقة مأمونا ؛ لأنه نائب الغائب ويلزمه القبول كما مر والإشهاد على نفسه بقبضها ، ولو أمره القاضي بدفعها لأمين كفى إذ لا يلزمه تسلمها بنفسه ( فإن فقده فأمين ) بالبلد يدفعها إليه لئلا يتضرر بتأخير السفر ويلزمه الإشهاد على الأمين بقبضها على الأوجه وكان الفرق أن أبهة القاضي تأبى الإشهاد عليه فيلزمه أن يشهد على نفسه بخلاف الأمين .
وتكفي فيه العدالة الظاهرة ما لم يتيسر عدل باطنا فيما يظهر ومتى ترك هذا الترتيب مع قدرته عليه ضمن وبه يعلم أنه لا عبرة بوجود القاضي الجائز ومن ثم حمل إطلاقهم له على زمنهم قال أما في زماننا فلا يضمن بالإيداع لثقة مع وجود القاضي قطعا لما ظهر من فساد الحكام وذكر أن شيخه الفارقي أمره في نحو ذلك بالدفع للحاكم فتوقف فقال له يا بني التحقيق اليوم تخريق ، أو تمزيق ويؤخذ منه أن محل العدول بها عن الحاكم الجائر ما لم يخش منه على نحو نفسه ، أو ماله وحينئذ يظهر أن سفره بها مع الأمن خير من دفعها للجائر ، ولو عاد الوديع من السفر جاز له استردادها وإن نازع فيه الإمام ، ولو أذن له المالك في السفر بها إلى بلد كذا في طريق كذا فسافر في غير تلك الطريق أي مع إمكان السفر فيما نص له عليه فيما يظهر ووصل لتلك البلد فنهبت منها ضمنها لدخولها في ضمانه بمجرد عدوله عن الطريق المأذون فيها ويظهر أنه لو كان للبلد طريقان تعين سلوك آمنهما فإن استويا ولا غرض له في الأطول فأقصرهما ( فإن دفنها ) ، ولو في حرز ( وسافر ضمن ) ؛ لأنه عرضها للضياع ( فإن أعلم بها أمينا ) وإن لم يره إياها ( يسكن الموضع ) . الشيخ أبا إسحاق
[ ص: 108 ] وهو حرز مثلها أو يراقبه من سائر الجوانب ، أو من فوق مراقبة الحارس واكتفى جمع بكونه في يده ( لم يضمن في الأصح ) ؛ لأن ما في الموضع في يد ساكنه فكأنه أودعه إياه ومنه يؤخذ أن محل ذلك عند تعذر القاضي الأمين وإلا ضمن ثم رأيتهم صرحوا به ثم قيل هذا الإعلام إشهاد فيجب رجلان ، أو رجل وامرأتان على الدفن والأصح أنه ائتمان كما تقرر فيكفي إعلام امرأة وإن لم تحضره وعليه فظاهر كلامهم أنه لا يجب إشهاد هنا وكان الفرق أنها هنا ليست في يد الأمين حقيقة بخلافه ثم وهو متجه إن كان بحيث لا يتمكن من أخذها وإلا فالذي يتجه وجوب الإشهاد ؛ لأنها حينئذ كالتي بيده ( ولو سافر ) من أودعها في الحضر ولم يعلم أن من عادته السفر ، أو الانتجاع ( بها ) وقدر على دفعها لمن مر بترتيبه ( ضمن ) وإن كان في بر آمن ؛ لأن حرز السفر دون حرز الحضر ومن ثم جاء عن بعض السلف المسافر وماله على قلت أي بفتح القاف واللام هلاك إلا ما وقى الله ووهم من رواه حديثا كذا نقل عن المصنف وممن رواه حديثا الديلمي وسندهما ضعيف لا موضوع . وابن الأثير
أما إذا أودعهما في السفر فاستمر مسافرا ، أو فلا ضمان لرضا المالك بذلك حين أودعه عالما بحاله ومن ثم لو دلت قرينة حاله على أنه إنما أودعه فيه لقربه من بلده امتنع إنشاؤه لسفر ثان ( إلا إذا وقع حريق ، أو غارة وعجز عمن يدفعها إليه ) من المالك ، أو وكيله ثم الحاكم ثم أمين ( كما سبق ) قريبا فلا يضمن للعذر بل إذا علم أنه لا ينجيها من الهلاك إلا السفر لزمه بها وإن كان مخوفا فإن لم يعلم ذلك فإن كان احتمال الخوف في الحضر أقرب جاز ، ولو قيل يجب لم يبعد ويتجه وجوب مؤنة نحو حملها هنا على المالك ؛ لأن المصلحة له لا غير ويأتي في الرجوع بها ما يأتي قريبا في النفقة وما اقتضاه سياقه أنه لا بد في نفي الضمان من العذر والعجز المذكورين غير مراد بل العجز كاف كما علم من كلامه قبل ( والحريق والغارة ) الأفصح الإغارة ومع ذلك الغارة هنا أولى ؛ لأنها الأثر وهو العذر في الحقيقة ( في البقعة وإشراف الحرز على الخراب ) ولم يجد في الكل ثم حرزا ينقلها إليه ( أعذار كالسفر ) في جواز إيداع من مر بترتيبه . أودع بدويا ، ولو في الحضر ، أو منتجعا فانتجع بها