( باب اختلاف المتبايعين )
ذكرا لأن الكلام في البيع الأغلب من غيره ، وإلا فكل عقد معاوضة ، ولو غير محضة وقع الاختلاف في كيفيته كذلك وأصل الباب الحديث الصحيح { فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركا اختلف البيعان وليس بينهما بينة } أي : يترك كل ما يدعيه وذلك إنما يكون بالفسخ وأو هنا بمعنى إلا وتقدير لام الجزم بعيد من السياق كما هو ظاهر وصح أيضا { إذا } ويأتي خبر { أنه صلى الله عليه وسلم أمر البائع أن يحلف ، ثم يتخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك } المأخوذ منه التحالف ( إذا اليمين على المدعى عليه ولو وكيلين ، أو قنين أذن لهما سيداهما كما هو ظاهر ، أو وليين ، أو مختلفين ويأتي أن وارثيهما مثلهما . اتفقا ) أي : العاقدان
ومثلهما أيضا [ ص: 474 ] موكلاهما ( على صحة البيع ) ، أو ثبتت باليمين كبعتك بألف فقال بل بخمسمائة وزق خمر فإذا حلف البائع على نفي الخمر تحالفا ( ثم ) إذا ( اختلفا في كيفيته كقدر الثمن ) وكان ما يدعيه البائع ، أو وكيله أكثر أخذا مما يأتي في الصداق بل غير الولي والوكيل هنا كذلك كما هو ظاهر فيشترط أن يكون مدعى المشتري مثلا في المبيع أكثر والبائع مثلا في الثمن أكثر ، وإلا فلا فائدة في التحالف ( أو صفته ) ، أو جنسه ، أو نوعه كذهب أو فضة ، وكذهب كذا وكذا ، وكصحيح أو مكسر ، ومنه اختلافهما في شرط نحو رهن ، أو كفالة ، أو كونه كاتبا وقد يشمل ذلك كله قوله : صفته نعم إن لم يتحالفا وإن رجع الاختلاف إلى قدر المبيع ؛ لأن ما وقع الاختلاف فيه من الحمل والثمرة تابع [ ص: 475 ] لا يصح إيراد العقد عليه فصدق البائع فيه بيمينه ؛ إذ الأصل بقاء ملكه ، ومن ثم لو اختلفا في العقد هل هو قبل التأبير ، أو الولادة أو بعد أحدهما صدق على الأوجه ؛ لأن الأصل حينئذ عدمه عند البيع ( أو الأجل ) كأن ادعاه المشتري وأنكره البائع ( أو قدره ) كيوم ، أو يومين ( أو قدر المبيع ) كصاع من هذا بدرهم فيقول بل صاعين منه به ، ولو زعم المشتري أن البيع قبل الاطلاع أو الحمل فإن غلب أحدهما عمل به أخذا مما مر في النقد ، وإن استويا في الغلبة بطل العقد لما مر أن النية هنا لا تكفي ، وإن اتفقا عليها ، فإن اختلفا في شرط ذلك اتجه التحالف ، ووقع لبعضهم خلاف ما ذكرته فاحذره . اشترى ثوبا على أنه عشرون ذراعا ثم قال البائع أردنا ذراع اليد وقال المشتري بل ذراع الحديد
ثم رأيت الجلال البلقيني ذكر بحثا ما يوافق ما ذكرته حيث قال ما حاصله إطلاق الذراع ببلد الغالب فيها ذراع الحديد ينزل عليه فإن اختلفا في إرادته وإرادة ذراع اليد ، أو العمل صدق مدعي ذراع الحديد ؛ لأنه الغالب ، ولا تحالف ؛ لأن دعوى الآخر مخالفة للظاهر فلم يلتفت إليها فإن انتفت غلبة أحدهما وجب التعيين ، وإلا فسد العقد ا هـ . وقال في موضع آخر لو لم يكن اختلافا في قدر المبيع ؛ لأنه معين فلا تحالف وإنما هذا كما إذا قال المشتري أردنا ذراع الحديد والبائع أردنا ذراع اليد فيتخير المشتري كالعيب فإن أجاز فبكل الثمن ا هـ المقصود منه ، وفيه نظر ظاهر والفرق بينه وبين [ ص: 476 ] ما نظر به أنهما ثم متفقان على شرط المائة ثم النقص عنها المنزل منزلة العيب فجاء التخيير ، وأما هنا فهما مختلفان في أن المبيع عشرون بالحديد ، أو باليد فلم يتفقا على شيء فكان مجهولا فبطل العقد . باع أرضا على أنها مائة فخرجت ناقصة
ولا ينافي ما ذكرته وذكره قول الماوردي في السلم يشترط في المذروع أن يكون بذراع الحديد فإن شرط بذراع اليد لم يجز ؛ لأنه مختلف ا هـ ؛ لأن محل ما قالاه فيما في الذمة وما هنا في المعين وبفرض كونه في الذمة فمحله كما أفهمه التعليل في مختلف أما إذا علم بأن عين وعلم قدره فيصح كما في تعيين مكيال متعارف ( ولا بينة ) لأحدهما يعتد بها فشمل ما لو كان لكل بينة وتعارضتا لإطلاقهما ، أو إطلاق إحداهما فقط ، أو لكونهما أرختا بتاريخين متفقين وقد لزم العقد وبقي إلى حالة التنازع ( تحالفا ) لما في الخبر الصحيح { والصيمري } وكل منهما مدع ومدعى عليه ، وقد يشكل عليه الخبران السابقان إلا أن يجاب بأنه عرف من هذا الحديث زيادة عليهما هي حلف المشتري أيضا فأخذنا بها ، وخرج باتفقا إلخ اختلافهما في الصحة أو العقد هل هو بيع أو هبة فلا تحالف كما يأتي وبقوله ولا بينة ما لو كان لأحدهما بينة فإنه يقضى له بها ، أو لهما بينتان مؤرختان بتاريخين مختلفين فإنه يقضى بالأولى ويلزم ما لو اختلفا مع بقاء الخيار فلا تحالف على ما نقلاه وأقراه لإمكان الفسخ بغيره لكن الجمهور كما أفهمه كلامهما على أنه لا فرق ، واعتمده جمع متأخرون كما أطبقوا على التحالف في القراض والجعالة مع جوازهما من الجانبين والكتابة مع جوازها من جانب القن ويبقى ما لو أن اليمين على المدعى عليه فلا تحالف بل يحلف مدعي النقص ؛ لأنه غارم وأورد على الضابط اختلفا في الثمن أو المبيع بعد القبض مع الإقالة أو التلف الذي ينفسخ به العقد معا كبعتك هذا العبد بهذه المائة الدرهم فيقول بل هذه الجارية بهذه العشرة الدنانير فلا تحالف جزما ؛ إذ لم يتواردا على شيء واحد مع أنهما اتفقا على بيع صحيح واختلفا في كيفيته فيحلف كل على نفي ما ادعى عليه على الأصل ، ولا فسخ . اختلافهما في عين المبيع والثمن
[ ص: 477 ] ولو تحالفا ، أو في عين المبيع والثمن في الذمة واتفقا على صفته وقدره ، أو اختلفا في أحدهما ويظهر أن مثل ذلك عكسه بأن يختلفا في عين الثمن والمبيع في الذمة تحالفا على المنقول المعتمد خلافا لقول اختلفا في عين المبيع ، أو الثمن فقط الإسنوي ومن تبعه لا تحالف بل يحلف كل على نفي ما ادعى عليه ، ولا فسخ فإن أقام البائع بينة أنه العبد والمشتري بينة أنه الأمة لم يتعارضا ؛ لأن كلا أثبت عقدا لا يقتضي نفي غيره فتسلم الأمة للمشتري ويقر العبد بيده إن كان قبضه ، وله التصرف فيه ظاهرا بما شاء للضرورة نعم ليس له الوطء لو كان أمة احتياطا أما باطنا فالمدار فيه على الصدق وعدمه ، وإلا جعل عند القاضي حتى يدعيه المشتري وينفق عليه حيث لم ير بيعه أصلح من كسبه إن كان ، وإلا باعه وحفظ ثمنه إن رآه وما في الأنوار من تخريج هذا على من أقر لغيره بمال ، وهو ينكره فيه نظر ؛ لأن هذا ليس من ذاك ؛ لأن إقرار البائع هنا بشراء الغير لملكه بمال يلزمه له فهو إقرار على الغير لا له ، أما على التحالف فمحله حيث لم يختلف تاريخ البينتين ، وإلا حكم بمقدمة التاريخ ( فيحلف كل ) منهما ( على نفي قول صاحبه وإثبات قوله ) لما مر أن كلا مدع ومدعى عليه فينفي ما يذكره غريمه ويثبت ما يدعيه هو ومعلوم أن الوارث يحلف في الإثبات على البت ، وفي النفي على نفي العلم كما ذكروه في الصداق .
( ويبدأ بالبائع ) ؛ لأن جانبه أقوى بعود المبيع الذي هو المقصود بالذات إليه بالفسخ الناشئ عن التحالف [ ص: 478 ] ولأن ملكه قد تم على الثمن بالعقد وملك المشتري لا يتم على المبيع إلا بالقبض ؛ لأن الصورة أن المبيع معين والثمن في الذمة ، ومن ثم بدئ بالمشتري في عكس ذلك ؛ لأنه أقوى حينئذ ويخير الحاكم بالبداءة بأيهما أداه إليه اجتهاده فيما إذا كانا معينين ، أو في الذمة ( وفي قول بالمشتري ) لقوة جانبه بالمبيع ( وفي قول يتساويان ) ؛ لأن كلا مدع ومدعى عليه ، وعليه ( فيتخير الحاكم ) فيمن يبدأ به منهما ( وقيل يقرع ) بينهما فمن قرع بدأ به والخلاف في الندب لحصول المقصود بكل تقدير ( والصحيح أنه يكفي كل واحد ) منهما ( يمين تجمع نفيا وإثباتا ) لاتحاد الدعوى ومنفي كل في ضمن مثبته ، وينبغي ندب يمينين خروجا من الخلاف ؛ لأن في مدركه قوة خلافا لما يوهمه المتن ، ومن ثم اعترض بأنه كان ينبغي التعبير بالمذهب ، وإشعار كلام المتن كالماوردي بمنع يمينين غير معول عليه ( ويقدم النفي ) ندبا ؛ لأنه الأصل في اليمين ؛ إذ حلف المدعي على إثبات قوله إنما هو لنحو قرينة لوث ، أو نكول ولإفادة الإثبات بعده بخلاف العكس وإنما لم يكف الإثبات وحده ، ولو مع الحصر كما بعت إلا بكذا ؛ لأن الأيمان لا يكتفى فيها باللوازم بل لا بد من الصريح ؛ لأن فيها نوع تعبد ( فيقول البائع ) إذا اختلفا في قدر الثمن والله ( ما بعت بكذا ولقد ) ، أو إنما وحذفه من أصله لإيهامه اشتراط الحصر ( بعت بكذا ) ويقول المشتري والله ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا ، ولو نكل أحدهما عن النفي فقط ، أو الإثبات فقط قضي للحالف ، وإن نكلا معا وقف الأمر وكأنهما تركا الخصومة