الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف لم يفعل عنه ولا فدية ) تجزئ عنه لعدم ورود ذلك ( وفي الاعتكاف قول ) إنه يفعل عنه كالصوم ( والله أعلم ) وفي الصلاة أيضا قول : إنها تفعل عنه أوصى بها أم لا حكاه العبادي عن الشافعي وغيره عن إسحاق وعطاء لخبر فيه لكنه معلول بل نقل ابن برهان عن القديم أنه يلزم الولي أي : إن خلف تركة أن يصلي عنه كالصوم ووجه عليه كثيرون من أصحابنا أنه يطعم عن كل صلاة مدا واختار جمع من محققي المتأخرين الأول وفعل به السبكي عن بعض أقاربه وبما تقرر يعلم أن نقل جمع شافعية وغيرهم الإجماع على المنع المراد به إجماع الأكثر وقد تفعل هي والاعتكاف عن ميت كركعتي الطواف فإنها تفعل عنه تبعا للحج وكما لو نذر أن يعتكف صائما فمات فيعتكف الولي أو ما دونه عنه صائما .

                                                                                                                              ( والأظهر وجوب المد ) ولا قضاء عن كل يوم من رمضان أو نذر أو قضاء أو كفارة ( على من أفطر للكبر ) أو المرض الذي لا يرجى برؤه بأن يلحقه بالصوم مشقة شديدة لا تطاق عادة ؛ لأن ذلك جاء عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم وفارق المريض المرجو البرء والمسافر بأنهما يتوقعان زوال عذرهما أما من يقدر على الصوم في زمن لنحو برده أو قصره فهو وكمرجو البرء وخرج بأفطر ما لو تكلف وصام فلا فدية كما في الكفاية عن البندنيجي [ ص: 440 ] واعترضه الإسنوي بأن قياس ما صححوه وهو أنه مخاطب بالفدية ابتداء عدم الاكتفاء بالصوم وقد يجاب بأن محل مخاطبته بها ابتداء ما لم يرد الصوم فحينئذ يكون هو المخاطب به وقضية كلام المتن وغيره وجوبها ولو على فقير فتستقر في ذمته لكنه صحح في المجموع سقوطها عنه كالفطرة ؛ لأنه عاجز حال التكليف بها وليست في مقابلة جناية ونحوها فإن قلت ينافيه قولهم حق الله المالي إذا عجز عنه العبد وقت الوجوب ثبت في ذمته وإن لم يكن على جهة البدل إذا كان بسبب منه وهو هنا كذلك ؛ إذ سببه فطره قلت كون السبب فطره ممنوع وإلا لزمت الفدية للقادر فعلمنا أن السبب إنما هو عجزه المقتضي لفطره وهو ليس من فعله فاتضح ما في المجموع فتأمله ولو قدر بعد على الصوم لم يلزمه قضاء كما قاله الأكثرون وفارق نظيره الآتي في المعضوب بأنه هنا مخاطب بالفدية ابتداء فأجزأت عنه [ ص: 441 ] وثم المعضوب مخاطب بالحج وإنما جازت له الإنابة للضرورة وقد بان عدمها .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 440 ] . ( قوله وقد يجاب إلخ ) لا يخفى ما فيه ويمكن أن يجاب بأنه يكفي للاكتفاء بالصوم أنه الأصل وإنما سقط للعذر وما سقط للعذر يجوز الرجوع إليه فليتأمل بل قد عهد إجزاء واجب الكاملين عن غيرهم كما في الجمعة حيث أجزأت من يجب عليه من نحو الأنثى والرقيق .

                                                                                                                              ( قوله فتستقر في ذمته ) اعتمده م ر .

                                                                                                                              ( قوله لكنه صحح في المجموع سقوطها عنه ) فلا تجب إذا أيسر بعد وقت الوجوب وهذا في الحر وكذا في الرقيق بالأولى وإن عتق وأيسر بعد وقت الوجوب لا يقال العبرة بوقت الأداء ؛ لأن اعتبار وقت الأداء إنما هو في المؤدى بعد ثبوت الوجوب في وقته ولم يثبت هنا كذلك وما تقرر هنا في الرقيق يحتمل جريانه في مسألة الحامل والمرضع الآتية فلا تجب عليه الفدية وإن عتق بعد وأيسر ؛ لأنه ليس من أهل وجوب المال وقت الوجوب خلافا لما في العباب تبعا للقفال .

                                                                                                                              ( قوله وإلا لزمت الفدية إلخ ) قد يجاب بأن فطره بشرط العجز ( قوله إنما هو عجزه المقتضي لفطره ) قد يستدل على أن السبب ليس العجز المذكور بأنه لو كان ذلك لزمت الفدية من تكلف وصام لتحقق عجزه المقتضي لفطره مع ذلك كما لا يخفى فإن قلت المراد أن [ ص: 441 ] السبب هو العجز مع الفطر بالفعل أي : هذا المجموع وهو ليس من فعله ؛ لأن المجموع الذي هو جزؤه ليس من فعله قلت قول المتن والمرضع ينبغي ولو لحيوان محترم غير آدمي .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لعدم ورود ذلك ) وهل يسن أم لا فيه نظر والأقرب الأول خروجا من خلاف من أوجبه في الصلاة الآتي عن حج قريبا ع ش عبارة شيخنا وقيل يصلي عنه وقيل يفدي عنه لكل صلاة مد وعن اعتكاف كل يوم وليلة مد ولا بأس بتقليد ذلك فإن قلد الحنفية في إسقاط الصلاة المشهور كان حسنا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وفي الصلاة ) إلى قوله وقد تفعل أقره ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أنها تفعل ) أي : جاز للولي ولغيره بإذنه أن يفعلها عن الميت ( قوله حكاه العبادي عن الشافعي إلخ ) واختاره ابن دقيق العيد والسبكي ومال إلى ترجيحه ابن أبي عصرون وغيره ونقل الأذرعي عن شرح التنبيه للمحب الطبري أنه يصل للميت ثواب كل عبادة تفعل عنه واجبة كانت أو متطوعا عنه انتهى وكتب الحنفية ناصة على أن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة وفي شرح المختار لمؤلفه منهم مذهب أهل السنة والجماعة أن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله وعليه فلا يبعد أنه له الصلاة وغيرها عنه وصح في البخاري عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه أمر من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلي عنها والظاهر أنه لا يقوله إلا توقيفا إيعاب .

                                                                                                                              ( قوله أن يصلي إلخ ) يظهر أن المراد بنفسه أو مأذونه بأجرة أو متبرعا وأن المراد بالولي هنا مطلق القريب نظير ما مر في الصوم فليراجع .

                                                                                                                              ( قوله ووجه إلخ ) عطف على قوله قول إلخ أي : وجه قائل بأنه يجوز للولي أن يطعم إلخ وقياس ما مر في الصوم عن شيخنا وغيره أن للأجنبي ولو من غير إذن الولي الإطعام من ماله عن الميت .

                                                                                                                              ( قوله الأول ) أي : أن الصلاة تفعل عنه ع ش وكردي .

                                                                                                                              ( قوله وفعل به السبكي إلخ ) عبارته في الإيعاب قال ابن أبي عصرون ليس في الحديث ولا القياس ما يمنع وصول ثواب الصلاة للميت وروي فيها أخبار غير مشهورة واستظهر السبكي ما قاله لحديث مرسل { من بر الوالدين أن تصلي لهما مع صلاتك } قيل تدعو لهما ولا مانع من حمله على ظاهره قال ومات لي قريب عليه خمس صلوات ففعلتها عنه قياسا على الصوم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله عن بعض أقاربه ) عبارة شيخنا في أمه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وقد تفعل ) عبارة غيره ويستثنى من منع الصلاة والاعتكاف عن الميت على المعتمد ركعتا الطواف إلخ ( قوله وقد تفعل ) إلى قوله واعترضه في النهاية والمغني إلا قوله لا تطاق عادة .

                                                                                                                              ( قوله كركعتي الطواف إلخ ) أي : من الحاج عن غيره ومن الولي المحرم عن غير مميز إيعاب ( قوله فيعتكف الولي أو مأذونه صائما ) أي : وإن كانت النيابة لا تجزئ في الاعتكاف أي : المنفرد شيخنا .

                                                                                                                              ( قوله أو نذر ) أي : نذره حال قدرته ؛ إذ لا يصح نذره حال عجزه المذكور نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله لا يرجى برؤه ) أي : بقول أهل الخبرة شيخنا ( قوله مشقة شديدة ) لم يبين ضابط المشقة هنا المبيحة للفدية وقياس ما مر في المرض أنها التي يخشى منها محذور تيمم ع ش عبارة شيخنا أي : بحيث يلحقه مشقة شديدة لا تحتمل عادة عند الزيادي أو تبيح التيمم عند الرملي ا هـ وكلام الشارح هنا موافق لما نقله عن الزيادي وفيما يأتي في الحامل والمرضع موافق لما نقله عن الرملي ولعله هو الظاهر فينبغي أن يحمل ما هنا على ما يأتي .

                                                                                                                              ( قوله : لأن ذلك ) أي : وجوب المد أو إخراجه بلا قضاء ( قوله ولا مخالف لهم ) أي فكان إجماعا سكوتيا .

                                                                                                                              ( قوله فهو كمرجو البرء ) أي : فيلزمه إيقاعه فيما يطيقه فيه نهاية .

                                                                                                                              ( قوله فلا فدية إلخ ) أي : كما لو تكلف من سقطت عنه الجمعة فعلها حيث أجزأته عن واجبه فلا يرد عليه قول الإسنوي [ ص: 440 ] قياس إلخ نهاية .

                                                                                                                              ( قوله بأن قياس إلخ ) أي : قضيته .

                                                                                                                              ( قوله وهو أنه ) أي : نحو الشيخ الهرم .

                                                                                                                              ( قوله ابتداء ) أي لا بدلا عن الصوم نهاية ومغني ( قوله وقد يجاب إلخ ) لا يخفى ما فيه ويمكن أن يجاب بأنه يكفي للاكتفاء بالصوم أنه الأصل وإنما سقط للعذر وما سقط للعذر يجوز الرجوع إليه فليتأمل بل قد عهد إجزاء واجب الكاملين عن غيرهم كما في الجمعة حيث أجزأت من لم تجب عليه من نحو الأنثى والرقيق سم وتقدم جوابه الثاني عن النهاية .

                                                                                                                              ( قوله فحينئذ ) أي : حين إرادته الصوم .

                                                                                                                              ( قوله يكون هو المخاطب إلخ ) أي : ابتداء فيما يظهر حتى لا يرد عليه أن مقتضاه أنه إذا أراد الصوم امتنع الإطعام بمجرد هذه الإرادة بصري ( قوله فتستقر في ذمته ) اعتمده الأسنى والمغني والنهاية وكذا شيخنا ثم قال وهذا في الحر وأما الرقيق فلا فدية عليه إذا أفطر لكبر أو مرض ومات رقيقا ويجوز لسيده أن يفدي عنه ولقريبه أن يفدي أو يصوم عنه وليس لسيده أن يصوم عنه إلا بإذن ؛ لأنه أجنبي ا هـ وقوله وليس لسيده إلخ تقدم عن سم والبجيرمي ما يخالفه .

                                                                                                                              ( قوله لكنه صحح في المجموع سقوطها ) أي فلا تجب إذا أيسر بعد وقت الوجوب وهذا في الحر وكذا في الرقيق بالأولى وإن عتق وأيسر بعد وقت الوجوب وما تقرر هنا في الرقيق يحتمل جريانه في مسألة الحامل والمرضع الآتية فلا تجب عليه الفدية وإن عتق بعد وأيسر ؛ لأنه ليس من أهل وجوب المال وقت الوجوب خلافا لما في العباب تبعا للقفال سم .

                                                                                                                              ( قوله ينافيه ) أي ما صححه في المجموع .

                                                                                                                              ( قوله وإلا لزمت الفدية إلخ ) قد يجاب بأنه أفطره بشرط العجز و .

                                                                                                                              ( قوله إنما هو عجزه المقتضي لفطره ) قد يستدل على أن السبب ليس العجز المذكور بأنه لو كان ذلك لزمت الفدية من تكلف وصام لتحقق عجزه المقتضي لفطره مع ذلك كما لا يخفى سم ( قوله ولو قدر ) إلى قول المتن والأصح في النهاية إلا قوله ؛ لأنه وقع تبعا وقوله وإن لم تتعين إلى المتن وقوله وفي نسخ إلى والفدية وقوله وأيضا أما المرضعة وكذا في المغني إلا قوله وليستا إلى المتن وقوله : لأنه وقع إلى المتن وقوله وكذا إن كانتا إلى المتن .

                                                                                                                              ( قوله ولو قدر إلخ ) ولو أخر نحو الهرم الفدية عن السنة الأولى لم يلزمه شيء للتأخير وليس له ولا للحامل أو المرضع الآتيين تعجيل فدية يومين فأكثر ولهم تعجيل فدية يوم فيه أو في ليلته نهاية قال ع ش قوله م ر وليس له ولا للحامل إلخ وإذا قلنا بعدم الاعتداد بما عجله هل له أن يسترده أم لا فيه نظر والأقرب الأول وإن لم يعلم الآخذ بكونها معجلة أخذا مما مر فيما لو أخرج غير الجنس فإنه يسترد منه مطلقا لفساد القبض وتقدم أن مثل ذلك كل ما لم يقع الموقع وكان قبضه فاسدا وكذا لو عجل ليلا المفطر للكبر أو المرض ثم تحمل المشقة وصام صبيحة ليلة التعجيل فيتبين عدم وقوع ما عجله الموقع ويسترده على ما مر ا هـ ع ش وظاهره وإن علم الآخذ بكونها معجلة .

                                                                                                                              ( قوله ولو قدر بعد ) أي : لو قدر من ذكر بعد الفطر مغني ونهاية ( قوله لم يلزمه قضاء إلخ ) أي : وإن كانت الفدية باقية في ذمته ع ش عبارة شيخنا سواء كانت القدرة بعد إخراج الفدية أو قبله ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وفارق نظيره الآتي إلخ ) هذا الفرق لا يتأتى فيمن أراد الصوم لما أفاده مع أن ظاهر كلامهم عموم عدم لزوم القضاء بصري .

                                                                                                                              ( قوله بأنه هنا مخاطب بالفدية إلخ ) وقد يقال لم كان الخطاب ابتداء هنا بالفدية دون الصوم [ ص: 441 ] وفي المعضوب بالحج دون الإنابة .

                                                                                                                              ( قوله وثم المعضوب مخاطب بالحج ) أي : ابتداء رشيدي قال ع ش ويقع الحج الأول للنائب ويسترده منه ما دفعه إليه من الأجرة ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية