ثم وهي مأخوذة من الدين لحديث الوصية تتقدر بقدر الثلث من المال رضي الله عنه قال : إنكم تقرءون الوصية قبل الدين { علي } ، وهكذا نقل عن وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ بالدين قبل الوصية رضي الله عنهما ، فهذا منهما إشارة إلى معنى التقديم والتأخير في الآية ، ثم قضاء الدين من أصول حوائج المرء ; لأنه تفرغ به ذمته والوصية ليست من أصول حوائجه وحاجته مقدمة في تركته . ابن عباس
( ألا ترى ) أنه يقدم جهازه وكفنه لحاجته إلى ذلك فكذلك قضاء الدين ، ثم زعم بعض أصحابنا أن الوصية بعد الدين تقدم على الميراث لظاهر الآية وأكثرهم قالوا التقديم لا يظهر في الوصية بل الوارث يستحق الثلثين إرثا في الوقت الذي يستحق الموصى له الثلث بالوصية والمراد من الآية تقديم الوصية على الميراث في الثلث ; لأنه محل للإرث إذا لم يوص فيه بشيء ، فإذا أقضى كانت الوصية في الثلث مقدمة على الميراث والدليل على أن محل الوصية النافذة شرعا ثلث [ ص: 144 ] المال ما رواه من حديث : { سعد بن مالك قال يا رسول الله أوصي بمالي كله ، فقال لا قال فبنصفه قال لا قال فبثلثه قال الثلث والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس } ، وفي رواية : يتكفكفون ، وأصل هذا الحديث ما روي : { رضي الله عنه مرض سعدا بمكة عام حجة الوداع فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال يا رسول الله أخلف عن دار الهجرة فأموت بمكة ، فقال : إني لأرجو أن يبقيك الله ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون لكن البائس سعد بن خولة يرثى له إن مات بمكة } ، قيل هذا من النبي عليه السلام إشارة إلى ما جرى من الفتوح على يد أن في زمن سعد رضي الله عنه ، ثم { عمر } ، الحديث ، وفيه دليل على أنه لا ينبغي للمرء أن يوصي بأكثر من ثلثه ; لأن النبي عليه السلام ذم المعتدين في الوصية والتعدي في الوصية مجاوزة حدها قال الله - تعالى - : { قال : يا رسول إني لا يرثني إلا ابنة لي أفأوصي بمالي كله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } ، وفي الحديث : { الحيف في الوصية أكبر الكبائر } ، والحيف هو الظلم والميل وذلك بمجاوزة الحد المحدود شرعا بأن يوصي لبعض ورثته أو يوصي بأكثر من ثلث ماله على الإضرار بورثته .
والدليل على أن محل الوصية الثلث ما روينا من قوله : { } ، ثم بين المعنى بقوله : { إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم } ، معناه ورثتك أقرب إليك من الأجانب فترك المال خير لك من الوصية فيه ، وفي هذا دليل أن التعليل في الوصية أفضل وذلك مروي عن إنك إن تدع عيالك أغنياء أبي بكر ، وقال : لأن يوصي بالخمس أحب إلينا من أن يوصي بالربع ولأن يوصي بالربع أحب إلينا من أن يوصي بالثلث ، وعن وعمر رضي الله عنه مثل ذلك وزاد وقال : من أوصى بالثلث فلم يترك شيئا يعني لم يترك شيئا مما جعل له الشرع حق الوصية فيه فعرفنا أن القليل في الوصية أفضل ; لأن ذلك أبعد وحشة الورثة ، فإنه إذا أوصى بجميع الثلث قال الوارث لا منة له علي ، فإنه ما ترك الوصية بما زاد على الثلث إلا لعجزه عن تنفيذه شرعا وحق الوارث ثبت في ماله شرعا قال عليه السلام : { علي } وإن لم يقل ، وإنما تحل الوصية بالثلث شرعا لمن يترك مالا كثيرا يستغني ورثته بثلثه إما لكثرة المال أو لقلة الورثة هكذا روي أن إن أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر حتى إذا بلغ هذا - وأشار إلى التراقي - قلت : لفلان كذا ولفلان كذا كان ذلك استأذنه رجل في الوصية لمن يترك خيرا يريد قوله تعالى : { عليا إن ترك خيرا } ، ثم يستدل بظاهر هذا الحديث من يقول بأن : { الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر } ، فإن النبي عليه السلام قدم صفة الغنى لورثة ، فقال [ ص: 145 ] { سعد } ، ولكنا نقول قدم صفة الغنى لهم واختار الفقر لنفسه والأفضل ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، ثم إنما قدم الغني على الفقير الذي يسأل كما قال : { إنك إن تدع عيالك أغنياء } ، أي يلحون في السؤال ونحن إنما نقدم الفقير الصابر دون الذي يسأل كما وصفهم الله بقوله - تعالى - : { من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا } ، وهذا لأن الفقر مع الصبر أسلم للمرء وأزين للمؤمن قال عليه السلام : { } . الفقر أزين للمؤمن من العذار الجيد على جلد الفرس
فأما الغنى فسبب للطغيان والفتنة قال الله - تعالى - : { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } وروي أن أوصى إلى حمزة بن عبد المطلب يوم أحد وأن زيد بن حارثة رضي الله عنه أوصى إلى عليا الحسن رضي الله عنه ، وفيه دليل أن للمرء أن يوصي إلى غيره في القيام بحوائجه بعد وفاته ، وهذا من نظر الشرع له أيضا فقد يفرط في بعض حوائجه في حياته أو تخترمه المنية فيحتاج إلى من يقوم مقامه في القيام بحوائجه بعد موته والإيصاء إلى الغير كان مشهورا بين الصحابة رضي الله عنهم ، فإن رضي الله عنه استخلف أبا بكر وأوصى إلى عمر رضي الله عنها في حوائجه عائشة أوصى إلى وعمر حفصة وتكلم الناس في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أوصى إلى أحد والصحيح عندنا أنه لم يوص إلى أحد بشيء إنما : { أبا بكر أن يصلي بالناس } ، وبه استدلوا على خلافته ، فقالوا ما اختاره لأمر ديننا إلا وهو يرضى به لأمر دنيانا . أمر