( قال ) فليس له أن يأخذ منهم صدقتها إلا أن يكون الميت أوصى بذلك فحينئذ يأخذ من ثلث ماله ، وقال : رجل مات بعد ما وجبت عليه الصدقة في سائمته فجاء المصدق وهي في يد الورثة رحمه الله تعالى : يأخذ الصدقة من جميع ماله أوصى أو لم يوص . وحجته قوله صلى الله عليه وسلم في حديث { الشافعي الخثعمية أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت تقضيه قالت نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فدين الله أحق } فقد شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم دين الله بدين العباد ، ثم دين العباد يقضى من التركة بعد الوفاة مقدما على الميراث فكذلك دين الله تعالى وهذا الفقه وهو أن هذا حق كان مطالبا في حال حياته وتجري النيابة في إيفائه فيستوفى من تركته بعد وفاته كديون العباد . وتقريره أن المال خلف عن الذمة بعد الموت في الحقوق التي تقتضى بالمال والوارث قائم مقام المورث في أداء ما تجري [ ص: 186 ] النيابة في أدائه ، ألا ترى أن بعد الإيصاء يقوم مقامه في الأداء ، فكذلك قبله . ( وحجتنا ) قوله صلى الله عليه وسلم { آدم : مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت وما سوى ذلك فهو مال الوارث } ، وهذا يقتضي أن ما لم يمضه من الصدقة يكون مال الوارث بعد موته وبه علل في الكتاب قال : لأنها خرجت من ملكه الذي كان له يعني أن المال صار ملك الوارث ، ولم يجب على الوارث شيء ليؤخذ ملكه به ، وهذا لأن حقوق الله تعالى مع حقوق العباد إذا اجتمعا في محل تقدم حقوق العباد على حقوق الله تعالى . ثم الواجب عليه فعل الإيتاء وفعل الإيتاء لا يمكن إقامته بالمال ليقوم المال فيه مقام الذمة بعد موته والوارث لا يمكن أن يجعل نائبا في أداء الزكاة ; لأن الواجب ما هو عبادة . ومعنى العبادة لا يتحقق إلا بنية وفعل ممن يجب عليه حقيقة أو حكما وخلافة الوارث المورث تكون جبرا من غير اختيار من المورث وبه لا تتأدى العبادة واستيفاء الواجب لا يجوز إلا من الوجه الذي وجب ، فإذا لم يمكن استيفاؤه من ذلك الوجه لا يستوفى إلا أن يكون أوصى فحينئذ يكون بمنزلة الوصية بسائر التبرعات تنفذ من ثلثه ويظهر بما ذكرنا الفرق بين ديون الله تعالى وبين ديون العباد إذا تأملت . يقول ابن