وأما في سائر الأنبذة ، ففي ظاهر الجواب لا بأس بالشرب منه مطبوخا كان ، أو غير مطبوخ ، وفي النوادر روى هشام عن محمد رحمهما الله أن لا يحل لقوله عليه الصلاة والسلام : { شرب النيء منه بعد ما اشتد } ، وليس المراد به أنه خمر حقيقة ، وإنما المراد التشبيه بالخمر في أنه لا يحل شربه ، وقد ثبت بالدليل أن النيء من نقيع الزبيب ، والتمر إذا كان مشتدا لا يحل شربه ، فكذلك من سائر الأشربة ; لأن [ ص: 18 ] معنى الشدة يجمع الكل ، وجه ظاهر الرواية أن العسل ، والذرة ، والشعير حلال التناول متغيرا كان ، أو غير متغير ، فكذلك ما يتخذ منها من الأشربة ; لأن هذا في معنى الطعام ، والتغير في الطعام لا يؤثر في الحرمة ، فكذلك نفس الشدة لا توجب الحرمة ، فقد يوجد ذلك في بعض الأدوية كالبنج ، وفي بعض الأشربة كاللبن ، والحديث فيه شاذ والشاذ فيما تعم به البلوى لا يكون مقبولا ، وهو محمول على التحريم الذي كان قبل الرخصة لتحقق المبالغة في الزجر . الخمر من خمسة : من النخل ، والكرم ، والحنطة ، والشعير ، والذرة
ولا حد على ، وكذلك ما يتخذ من الفانيد ، والتوت ، والكمثرى ، وغير ذلك أسكر ، أو لم يسكر ; لأن النص ، ورد بالحد في الخمر ، وهذا ليس في معناه فلو أوجبنا فيه الحد كان بطريق القياس ثم الحد مشروع للزجر عن ارتكاب سببه ، ودعاء الطبع إلى هذه الأشربة لا يكون كدعاء الطبع إلى المتخذ من الزبيب ، والعنب ، والتمر ، فلا يشرع فيه الزجر أيضا ، شارب ما يتخذ من العسل ، والحنطة ، والشعير ، والذرة لم يحل بالطبخ ; لأن الطبخ لاقى عينا حراما ، فلا يفيد الحل فيه وإن اشتد عصير العنب ، وغلا ، وقذف بالزبد ، ثم طبخ بعد ذلك ، وهذا ; لأنه ليس للنار تأثير في الحل ، ولا في تغيير طبع الجوهر بخلاف العصير الحلو إذا طبخ ، فالطبخ هناك حصل في عين حلال ، وللطبخ تأثير في منع ثبوت صفة الحرمة فيه كما بينا أن الخمر هي التي من ماء العنب إذا اشتد ، فإذا طبخ العصير ، ثم اشتد ، فهو حين اشتد ما كان نيئا ، فلا يكون خمرا ، فأما الأول فحين اشتد كان نيئا ، وصار خمرا ، ثم الطبخ في الخمر لا يوجب تبديل عينه ، ولهذا يحد من شرب منه قليلا كان ، أو كثيرا . كطبخ لحم الخنزير
ولا بأس ، فهذا لا بأس به ; لأن الطبخ لاقى عينا حلالا ، ولأنه إن رق فرقته باعتبار ما فيه من أجزاء الماء ، والماء حلال الشرب وحده ، والفضيخ كذلك ، فكذلك بعد الجمع بينهما . قلت ، فهل يرخص في شيء من المطبوخ على النصف ، أو أقل من ذلك ، وهو حلو ، قال لا أرخص في شيء من ذلك إلا ما قد ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه قيل : هذا غلط ، والصحيح ، وهو غير حلو ، فالحلو حلال ، وإن كان نيئا كيف لا يحل بعد الطبخ ، وقيل : المراد به أنه طبخ ، وهو حلو لم يتغير حين ذهب منه النصف ، أو أقل ، ثم ترك حتى اشتد ، فهذا هو المنصف ، والقاذف ، وقد بينا الكلام فيهما في حكم الشراء ، والبيع . . بنبيذ الفضيخ يعني إذا صب عليه الماء ، ثم طبخ ، وترك حتى اشتد