قال - رحمه الله - : وإذا فالمزارعة فاسدة ; لأن الدافع كأنه قال لصاحبه : ازرع نصيبك من الأرض ببذرك على أن الخارج كله لك ، وهذه مشهورة صحيحة ، أو قال : وازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج كله لي وهذا فاسد ; لأنه دفع الأرض مزارعة بجميع الخارج وهي مطعونة كانت الأرض بين رجلين فدفعها أحدهما إلى صاحبه مزارعة على أن يزرعها هذه السنة ببذره وبقره على أن الخارج بينهما نصفان - رحمه الله - وقد بيناها بالأمس ; فإن قيل لماذا لم يجعل كأنه قال : ازرع نصيبي ببذرك على أن الخارج بيننا نصفين ، وازرع نصيبك ببذرك على أن الخارج بيننا نصفين حتى تصح المزارعة في نصيب الدافع من الأرض ، قلنا : لأنه يكون ذلك منه [ ص: 28 ] انتهاب المعدوم وطمعا في غير مطمع ، وهو أن يشترط لنفسه جزءا بما أخرجه نصيب صاحبه من غير أن يكون منه أرض أو بذر أو عمل ، والعاقل لا يقصد ذلك بكلامه عادة ، فلذلك حملناه على الوجه الأول ، وأفسدنا المزارعة ، والخارج كله للزارع ; لأنه نماء بذره وعليه أجر مثل نصف الأرض لصاحبه ; لأنه استوفى منفعة نصيبه من الأرض بعقد فاسد ، ويطيب له نصف الخارج ; لأنه ربى نصف الزرع في أرض نفسه ، ولا فساد في ذلك النصف ويأخذ من النصف الآخر ما أنفق فيه وغرم ، ويتصدق بالفضل ; لأنه ربى زرعه في أرض الغير بسبب فاسد فيتصدق بالفضل ، ولو كان البذر من الدافع فالعقد فاسد ; لأنه يصير كأنه قال : ازرع نصيبي من الأرض ببذري على أن الخارج كله لي ، وهذه استعانة صحيحة لو اقتصر عليها ولكنه قال : وازرع نصيبك من الأرض ببذري على أن الخارج كله لك ، وهذا أيضا إقراض صحيح للبذر لو اقتصر عليه ولكن الجمع بينهما يظهر الفساد باعتبار أنه جعل بإزاء عمله في نصيب الدافع منفعة إقراض البذر إياه ، أو تمليك البذر منه هبة في مقدار ما يزرع به نصيب نفسه ، فلهذا فسد العقد ، والزرع كله للدافع ; لأن إقراض شيء من البذر غير منصوص عليه ، وإنما كنا نثبت التصحيح للعقد بينهما ، وليس فيه تصحيح العقد فلا يجعل مقرضا شيئا من البذر منه ، فلهذا كان الخارج كله لصاحب البذر ، وللعامل عليه أجر مثل عمله وأجر حصته من الأرض ; لأن منفعة حصته من الأرض ومنفعة عمله سلمت للدافع بعقد فاسد ، ويطيب له نصف الريع ; لأنه رباه في أرض نفسه ويأخذ من النصف الآخر نصف البذر وما غرم من أجر مثل نصف الأرض ونصف أجر مثل العامل ، ويتصدق بالفضل ; لأنه رباه في أرض غيره بسبب فاسد عيسى