[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوكالة قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي - رحمه الله - إملاء : اعلم أن الوكالة في اللغة عبارة عن الحفظ ، ومنه الوكيل في أسماء الله تعالى بمعنى الحفيظ كما قال الله تعالى : { حسبنا الله ونعم الوكيل } ولهذا قال علماؤنا - رحمهم الله - فيمن قال لآخر : " وكلتك بمالي " : إنه يملك بهذا اللفظ الحفظ فقط ، وقيل : التفويض والتسليم ، ومنه التوكل ، قال الله تعالى { معنى الوكالة على الله توكلنا } ، يعني فوضنا إليه أمورنا وسلمنا ، فالتوكيل تفويض التصرف إلى الغير وتسليم المال إليه ليتصرف فيه ، ثم للناس إلى هذا العقد حاجة ماسة . فقد يعجز الإنسان عن حفظ ماله عند خروجه للسفر ، وقد يعجز عن التصرف في ماله لقلة هدايته وكثرة اشتغاله ، أو لكثرة ماله ، فيحتاج إلى تفويض التصرف إلى الغير بطريق الوكالة ، وقد عرف جواز هذا العقد بالكتاب والسنة ، أما الكتاب فقوله تعالى : { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة } وهذا كان توكيلا ، وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { رضي الله عنه بشراء الأضحية ، وبه وكل حكيم بن حزام عروة البارقي فلما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أعطاه علامة ، وقال : ائت وكيلي بخيبر ليعطيك ما سألتني بهذه العلامة } والدليل عليه : الحديث الذي بدأ به أنه وكل محمد - رحمه الله - الكتاب ورواه أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - عن سالم عن الشعبي { رضي الله عنها قالت : طلقني زوجي ثلاثا ثم خرج إلى فاطمة بنت قيس اليمن فوكل أخاه بنفقتي فخاصمته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي نفقة ولا سكنى } ففي هذا جواز التوكيل بالاتفاق ، وبظاهر الحديث يستدل عن - رحمه الله - فيقول : " ليس للمبتوتة نفقة ولا سكنى " . ولكنا نقول إن صح الحديث فله تأويلان : أحدهما - أنها كانت بذيئة اللسان بذية على أحماء زوجها فأخرجوها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أبي ليلى أم مكتوم رضي الله عنها تسكينا للفتنة ، فظنت أنه لم يجعل لها نفقة ولا [ ص: 3 ] سكنى ، الثاني - أنه وكل أخاه بأن ينفق عليها خبز الشعير ولم يكن الزوج حاضرا ليقضي عليه بشيء آخر ، فلهذا قالت : " ولم يجعل لي نفقة ولا سكنى " .