وقد كانت التزكية في الابتداء علانية ، ثم أحدث رحمه الله تزكية السر فقيل له أحدثت يا شريح فقال أحدثتم فأحدثنا فكان يجمع بين أبا أمية فيسأل عن حال الشهود في السر ، ثم يحضر الشهود والمزكون ليزكوهم علانية فيقول هؤلاء الذين زكيناهم وهو أتم ما يكون من الاحتياط غير أن القضاة تركوا بعد ذلك تزكية العلانية واكتفوا بتزكية السر إبقاء للستر على الناس وتحرزا عن الغيبة التي تقع بين المزكين وبعض الشهود في تزكية العلانية إذا ميزوا المجروح ; فلهذا يكتفى بتزكية السر في زماننا ، وإنما لا يطلع واحدا من الرسولين على ما يبعث به مع صاحبه كي لا يتواضعا بينهما على شيء تزكية السر وتزكية العلانية
وإن استطاع أن لا يعرف له صاحب مسألة فليفعل ; لأنه إذا كان معروفا فيرجع إليه بعض الخصوم فيخدعه بالرشوة أو تخوفه بعض الشهود فيزكي المجروح لذلك ويلبس على القاضي فكان الاحتياط أن لا يعرف له صاحب مسألة ، ولكن في زماننا اتخذوا التزكية عملا فيشتهر المزكي لذلك لا محالة والاحتياط للقاضي أن يسأل عنه وعن غيره من العدول وأهل الصلاح ممن يقف عليه القاضي ولا يعرفه الخصوم . وإذا أعاد المسألة لوقوع التعارض بين الخبرين فإن النافي معارض للمثبت فيما طريقه الخبر ، وقد بينا في كتاب الاستحسان وذكرنا هناك أنه إذا أتاه تزكية رجل من ثقة وأتاه من ثقة آخر أنه غير عدل عمل بقولهما ولم يعمل بقول الواحد الذي خرج ; لأن المثنى حجة في الأحكام فلا يعارضه خبر الوحد . وإذا اتفق رجلان على التزكية أخذ بقولهما ; لأن الذين زكوا اعتمدوا ظاهر الحال وخفي عليهم ما عرفه اللذان جرحا من العارض الموجب للجرح فيه ، وقد ثبت ذلك بحجة كاملة فإن خبر المثنى حجة في إثبات الحكم اجتمع رهط على التزكية ورجلان عدلان على الجرح