( قال ) وينبغي للقاضي أن لا يلقن الشاهد ، ولكن يدعه حتى يشهد بما عنده فإن كانت شهادته جائزة قبلها ، وإن كانت غير جائزة ردها ولا يقول له اشهد بكذا فإن هذا تلقين وهو قول رحمه الله أبي حنيفة . وقال ومحمد رحمه الله لا أرى بأسا أن يقول أتشهدا بكذا وكذا ، وإنما قال هذا حين ابتلي بالقضاء فرأى ما بالشهود من الخبر عند أداء الشهادة بالحق فإن لمجلس القضاء هيبة وللقاضي حشمة ومن لم يعتد التكلم في مثل هذا المجلس يتعذر عليه البيان إذا لم يعنه القاضي على ذلك وأداء الشهادة بالحق من باب البر قال الله تعالى { أبو يوسف وتعاونوا على البر والتقوى } وأمرنا بإكرام الشهود قال صلى الله عليه وسلم { أكرموا الشهود فإن الله تعالى يحيي بهم الحقوق } ، وهذا القدر من التلقين يرجع إلى إكرامه بأن يذكر ما يسمع منه فيقول أتشهد بكذا لما لم يسمع منه فهو التلقين المكروه ، وفي مذهبه نوع رخصة والعزيمة فيما ذهب إليه أبو حنيفة ; لأن القاضي منهي عن اكتساب ما يجر إليه تهمة الميل ، وما يكون فيه إعانة أحد الخصمين إما صورة ، أو معنى ومحمد لا يخلو من ذلك . وإذا لم يجز له أن يلقن المدعي مع أن الدعوى لا تكون ملزمة فلأن لا يجوز له أن يلقن الشاهد أولى ، ولأن عادة بعض الناس أن المحتشم إذا لقن أحدهم شيئا ترك ما كان قصد التكلم به وتكلم بما لقنه تعظيما له فلا يأمر القاضي أن يفعل الشاهد مثل ذلك فيدع ما كان عنده من الشهادة ويتكلم بما لقنه القاضي والتلقين تعليم والقاضي إنما جلس لسماع الشهادة وفصل القضاء بالشهادة لا لتعليم الشاهد ; فلهذا أكره له أن يلقنه . وتلقين الشاهد