قال فإذا قلب أو جس فهو بمنزلة النظر من الصحيح ولا خيار له إلا أن يجد به عيبا ، والكلام في فصول أحدهما والأعمى في كل ما اشترى إذا لم يقلب ولم يجس بالخيار ، وقال جواز العقد عندنا من الأعمى بيعا كان أو شراء رحمه الله : إن كان بصيرا فعمي فكذلك الجواب ، وإن كان أكمه فلا يجوز بيعه وشراؤه أصلا ; لأنه لا يعرف لون الأشياء وصفتها ، وهذا غلط منه فالناس تعارفوا معاملة العميان من غير نكير منكر ، وتعامل الناس من غير نكير منكر أصل في الشرع ثم أصله أن من لا يملك أن يشتري بنفسه لا يملك أن يأمر غيره به فإذا احتاج الأعمى إلى مأكول ولا يتمكن من أن يشتري أو يوكل به مات جوعا وفيه من القبح ما لا يخفى فإذا ثبت جواز شرائه قلنا إن كان المشتري مما يعرف بالجس أو الذوق فهو كالبصير في ذلك ، وإن كان مما تعرف صفته بالجس كما تعرف بالرؤية فالمس فيه كالرؤية من البصير حتى لو لمسه ، وقال : رضيت به يسقط خياره ، وما لا يمكن معرفته كالعقارات فإنه يوصف له بأبلغ ما يمكن ، فإذا قال : قد رضيت سقط خياره ; لأن ذكر الوصف يقام مقام الرؤية في موضع من المواضع كما في عقد السلم ، والمقصود رفع العين عنه ، وذلك يحصل بذكر الوصف وإن كان بالرؤية أتم ، وعن الشافعي - رحمه الله - قال تعاد إلى ذلك الموضع فإذا كان بحيث لو كان بصيرا رأى فقال : قد رضيت سقط خياره وجعل هذا كتحريك الشفتين من الأخرس فإنه يقام مقام عبارة الناطق في التكبير والقراءة ; لأن الممكن ذلك القدر ، وقال أبي يوسف : يوكل بصيرا بالقبض حتى يرى البصير فيقبض وهذا أشبه بقول الحسن بن زياد فالوكيل بالقبض عنده يجعل في الرؤية كالموكل ، وقال بعض أئمة أبي حنيفة بلخي - رحمهم الله - : يمس الحيطان والأشجار فإذا قال رضيت يسقط خياره ; لأن الأعمى إذا كان ذكيا يقف على مقصوده في ذلك بالمس ، وحكي أن أعمى اشترى أرضا فقال قيدوني فقادوه إليها فجعل يمس الأرض حتى [ ص: 78 ] انتهى إلى موضع منها فقال أموضع كدس هذا ؟ فقالوا لا ، فقال هذه الأرض لا تصلح ; لأنها لا تكسو نفسها فكيف تكسوني فكان كما قال فإذا كان الأعمى بهذه الصفة فرضي بها بعدما مسها سقط خياره والله أعلم بالصواب