( قال ) : ولو طلقت التي أجابته ، لأنه أتبع الإيقاع الجواب فيصير مخاطبا للمجيبة ، وإن قال : أردت زينب قلنا تطلق زينب بقصده ، ولكنه لا يصدق في صرف الكلام عن ظاهره فتطلق عمرة أيضا بالظاهر كما لو قال : زينب طالق ، وله امرأة معروفة بهذا الاسم تطلق ، فإن قال : لي امرأة أخرى بهذا الاسم تزوجتها سرا ، وإياها عنيت قلنا تطلق تلك بنيته ، والمعروفة بالظاهر ، ولو قال : يا زينب ، فأجابته عمرة ; فقال : أنت طالق ثلاثا طلقت زينب ; لأنه أتبع الإيقاع النداء فيكون خطابا للمنادى وهي زينب . قال : يا زينب أنت طالق ولم يجبه أحد
وإن طلقت عمرة ، إن كانت امرأته ، وإن لم تكن امرأته ، لم تطلق زينب ; لأن التعريف بالإشارة أبلغ من التعريف بالاسم ، فإن التعريف بالإشارة يقطع الشركة من كل وجه ، وبالاسم لا ، فكان هذا أقوى ، ولا يظهر الضعيف في مقابلة القوي ; فكان هو مخاطبا بالإيقاع لمن أشار إليها خاصة ، وإن قال : يا زينب أنت طالق ، ولم يشر إلى شيء غير أنه رأى شخصا فظنها زينب ، وهي غيرها طلقت زينب في القضاء ; لأنه بنى الإيقاع على التعريف بالاسم هنا فإنما يقع على المسماة ، ولا معتبر بظنه ; لأن التعريف لا يحصل به في الظاهر ، والقاضي مأمور باتباع الظاهر . قال لامرأته يشير إليها : يا زينب أنت طالق فإذا هي عمرة
فأما فيما بينه وبين الله تعالى لا تطلق هي ولا الأخرى ; لأنه عناها بقلبه ، والله تعالى مطلع على ما في ضميره فيمنع ذلك الإيقاع على زينب التي لم يعنها بقلبه ، وعلى التي عناها بقلبه ; لأنه لم يخاطبها بلسانه حين أتبع الخطاب النداء ، وإن فهي طالق واحدة ، وإن أشار بأصبعين فهي طالق اثنتين ، وإن أشار بثلاثة أصابع فهي طالق ثلاثا ; لأن الإشارة بالأصابع بمنزلة التصريح بالعدد بدليل قوله صلى الله عليه وسلم { قال : أنت طالق هكذا وأشار بأصبع واحدة } فيكون ذلك بيانا أن الشهر تسعة وعشرون يوما . : الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، وخنس إبهامه [ ص: 122 ] في الثالثة
ثم الأصل في هذه الإشارة أنها تقع بالأصابع المنشورة لا بالأصابع المعقودة ، والعرف دليل على هذا ، وكذلك الشرع فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما خنس إبهامه في الثالثة كان الاعتبار بما نشر من الأصابع دون ما عقد حتى لو قال : عنيت الإشارة بالأصبعين اللتين عقدت لم يدن في القضاء ، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى ; لكون ما قال محتملا ، وكذلك إذا قال : عنيت الإشارة بالكف دون الأصابع دين فيما بينه وبين الله تعالى ; لكونه محتملا ، ولا يدين في القضاء ; لأنه خلاف الظاهر فتطلق ثلاثا .
وبعض المتأخرين يقولون إن جعل ظهر الكف إليها ، والأصابع المنشورة إلى نفسه ، دين في القضاء ، وإن جعل الأصابع المنشورة إليها ، لم يدن في القضاء ، وإذا فهي واحدة ; لأن كلامه لا يتصل بإشارته إلا بقوله : هكذا فإذا لم يقل كان وجود الإشارة كعدمها فتطلق واحدة بقوله : أنت طالق ، وإن أشار بأصابعه فقال : أنت طالق ، ولم يقل هكذا فهي طالق واحدة ; لأن الوقوع بلفظه لا بقصده ، وهو ما تلفظ إلا بقوله : أنت طالق . قال : أنت طالق وهو يريد أن يقول ثلاثا فأمسك رجل على فيه ، فلم يقل شيئا بعد ذكر الطلاق
وكذلك لو فهي طالق واحدة بخلاف ما إذا مات الرجل بعد قوله : أنت طالق قبل قوله : ثلاثا فإنها لا تطلق شيئا ; لأن الزوج وصل لفظ الطلاق بذكر العدد ، فيكون العامل هو العدد ، ألا ترى أنه لو قال لها قبل الدخول : أنت طالق ثلاثا تطلق ثلاثا ; لأن ذكر العدد حصل بعد موتها ، فأما إذا مات الرجل ، فلفظ الطلاق هنا لم يتصل بذكر العدد فبقي قوله : أنت طالق ، ولو ماتت المرأة بعد قوله : أنت طالق قبل قوله : ثلاثا ، طلقت واحدة ; لما قلنا أن كلامه هنا إيقاع عامل في الوقوع ، فإنما يقع ما صادفها وهي حية دون ما صادفها بعد الموت ، وإن قال : أنت طالق ، أنت طالق فماتت المرأة قبل ذكر الثانية لم يقع عليها شيء ; لأن الكلام المعطوف بعضه على بعض إذا اتصل الشرط بآخره ; يخرج من أن يكون إيقاعا كما إذا اتصل الاستثناء به ، وقد تحقق اتصال الشرط بالكلام بعد موتها . قال لها : أنت طالق ، وأنت طالق ، وأنت طالق إن دخلت الدار فماتت قبل فراغه من الكلام
وإن فذلك إليه يوقعها على أيتهما شاء فإن إيجاب الطلاق في المجهول صحيح بخلاف ما يقوله نفاة القياس ، وحجتنا عليهم الحديث { قال : إحدى امرأتي طالق ثلاثا ، ولا نية له } ، ثم الأصل أن الإيجاب في المجهول يصح فيما يحتمل التعليق بالشرط ; لأنه كالمعلق بخطر البيان في حق العين ولأن ما هو مبني على الضيق ، وهو [ ص: 123 ] البيع يصح إيجابه في المجهول إذا كان لا يؤدي إلى المنازعة ، وهو ما إذا باع قفيزا من صبرة ففيما يكون مبنيا على السعة ; لأن يصح إيجابه في المجهول كان أولى . كل طلاق جائز
وهذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة هنا ; لأن الزوج ينفرد بالبيان كما ينفرد بالإيقاع فإن قال : أردت هذه حين تكلمت فالقول قوله ; لأنه مالك للإيقاع عليها فيصح بيانه أيضا ، وما في ضميره لا يوقف عليها إلا من جهته فيقبل قوله فيه ، وإن قال : ما نويت واحدة بعينها يقال له : أوقع الآن على أيتهما شئت ; لأن الإيقاع الأول كان على منكر ، وأحكام الطلاق تتقرر في المنكر فلا بد من تعيينه فلهذا يقال له : أوقع على أيتهما شئت .
وإن ماتت إحداهما قبل أن يبين طلقت الباقية ; لأنه إنما كان لا يتبين قبل الموت في إحداهما لمزاحمة الأخرى معها وقد زالت بالموت فإن التي ماتت خرجت من أن تكون محلا للطلاق ، وتعيين الطلاق المبهم في حق العين كابتداء الإيقاع ، فإذا خرجت إحداهما من أن تكون محلا للطلاق تعينت الأخرى ، وإن قال : عنيت الميتة حين تكلمت صدق في حق نفسه حتى يبطل ميراثه عنها ولا يصدق على إبطال الطلاق عن الحية ; لأن الطلاق تعين فيها شرعا فلا يملك صرف الطلاق عنها بقوله .