، وإن فالقول قول الزوج ; لأن تعليق الطلاق بالشرط يمين ، واليمين غير الطلاق ألا ترى أنه لا يقع الطلاق بها ما لم يوجد الحنث فهي تدعي عليه إيقاع الطلاق ، والزوج منكر لذلك فالقول قوله ، وإن قال : قلت لك أنت طالق إن كلمت فلانا ، وقالت هي : طلقتني لم تطلق حتى يموت أحدهما قبل أن يطلقها ; لأن كلمة إن للشرط ، فقد جعل عدم إيقاع الطلاق عليها شرطا ، ولا يتيقن بوجود هذا الشرط ما بقيا حيين ، فهو كقوله : إن لم آت قال : أنت طالق ثلاثا ، إن لم أطلقك البصرة فأنت طالق .
ثم إن مات الزوج وقع عليها قبل موته بقليل وليس لذلك القليل حد معروف ، ولكن قبيل موته يتحقق عجزه من إيقاع الطلاق عليها فيتحقق شرط الحنث ، فإن كان لم يدخل بها فلا ميراث لها ، وإن كان قد دخل بها فلها الميراث بحكم الفرار حين وقع الثلاث بإيقاعه قبيل موته بلا فصل ، وإن ماتت المرأة وقع الطلاق أيضا قبل موتها .
وفي النوادر يقول : لا يقع ; لأنه قادر على أنه يطلقها ما لم تمت ، وإنما عجز بموتها فلو وقع الطلاق ، لوقع بعد الموت وهو نظير قوله : إن لم آت البصرة ، وجه ظاهر الرواية أن الإيقاع من حكمة الوقوع بعد الموت ، وهو قد تحقق العجز عن إيقاعه قبيل موتها ; لأنه يعقبه الوقوع كما لو قال لها : أنت طالق مع موتك فيقع الطلاق قبيل موتها بلا فصل .
ولا ميراث للزوج ; لأن الفرقة وقعت بينهما قبل موتها بإيقاع الطلاق عليها ، وإن قال : أنت طالق متى لم أطلقك طلقت كما سكت ; لأن كلمة متى تستعمل للوقت فقد أضاف الطلاق إلى وقت بعد يمينه لا يطلقها فيه ، وقد وجد ذلك الوقت كما سكت ، وكذلك إن قال : متى ما لم أطلقك .
فأما إذا قال : إذا لم أطلقك ، أو إذا ما لم أطلقك .
فإن قال : عنيت بإذا الشرط فهو بمنزلة أن لا يقع الطلاق حتى يموت أحدهما ، وإن قال : عنيت به متى وقع الطلاق كما سكت ; لأن إذا تستعمل لكل واحدة منهما .
وإن لم تكن له نية فعلى قول رحمه الله تعالى لا تطلق حتى يموت أحدهما وعند أبي حنيفة [ ص: 112 ] أبي يوسف رحمهما الله تعالى كما سكت يقع ، وأصل الخلاف بين أهل اللغة والنحو فالكوفيون منهم يقولون إذا قد تستعمل للوقت وقد تستعمل للشرط على السواء فيجازى به مرة ولا يجازى به أخرى ، وإذا كان بمعنى الشرط سقط فيه معنى الوقت أصلا كحرف أن وهو مذهب ومحمد رحمه الله تعالى والبصريون رحمهم الله تعالى يقولون : إذا للوقت ، ولكن قد تستعمل للشرط مجازا ، ولا يسقط به معنى الوقت إذا أريد به الشرط بمنزلة متى وهو مذهب أبي حنيفة أبي يوسف رحمهما الله تعالى فهما يقولان : إذا تستعمل فيما هو كائن لا محالة ، وليس فيه معنى الخطر قال الله تعالى { ومحمد إذا الشمس كورت } و { إذا السماء انفطرت } .
ويقال الرطب إذا اشتدت الحر ، والبرد إذا جاء الشتاء ، والشرط ما هو على خطر الوجود فعرفنا أنه للوقت حقيقة فعند عدم النية يحمل اللفظ على حقيقته ، ألا ترى أنه لو قال لامرأته : إذا شئت فأنت طالق ، لم يخرج الأمر من يدها بقيامها عن المجلس بمنزلة قوله : متى شئت بخلاف قوله : إن شئت .
رحمه الله تعالى يقول : " إذا " قد تكون للشرط حقيقة يقول الرجل : إذا زرتني ، زرتك ، وإذا أكرمتني ، أكرمتك ، والمراد الشرط دل عليه قول القائل شعر : وأبو حنيفة
استغن ما أغناك ربك بالغنى وإذا تصبك حصاصة فتحمل
معناه وإن تصبك ، فعند عدم النية هنا ، إن حمل على معنى الشرط ، لم يقع الطلاق حتى يموت أحدهما .وإن جعل بمعنى متى ، طلقت في الحال ، وقد عرفنا أن الطلاق غير واقع فلا نوقعه بالشك ; ولهذا قلنا في مسألة المشيئة لا يخرج الأمر من يدها بقيامها عن المجلس ; لأنا إن جعلنا " إذا " بمعنى الشرط ، خرج الأمر من يدها .
وإن جعلناها بمعنى متى ، لم يخرج الأمر من يدها ، وقد عرفنا كون الأمر في يدها بيقين فلا نخرجه من يدها بالشك ، وفي الكتاب قال : ألا ترى أنه لو تطلق كما سكت ، وهذا لا حجة فيه ; لأنه لو قال : إن سكت ، وإن قال : كلما لم أطلقك ، فأنت طالق ، وقد دخل بها ثم سكت فهي طالق ثلاثا يتبع بعضها بعضا ; لأنه أضاف الطلاق إلى وقت لا يطلقها فيه بكلمة كلما . قال : إذا سكت عن طلاقك ، فأنت طالق
وعقيب سكوته يوجد ثلاثة أوقات بهذه الصفة ، بعضها على أثر البعض فتطلق ثلاثا بطريق الإتباع ولا يقعن معا حتى إذا لم يكن بها لا يقع إلا واحدة ، وإن قال : متى ما لم أطلقك واحدة فأنت طالق ثلاثا ، ثم قال موصلا بكلامه : أنت طالق واحدة فقد بر في يمينه استحسانا ، ولا يقع عليها إلا واحدة .
وفي القياس تطلق ثلاثا ، وهو قول رحمه الله تعالى ; لأنه إلى أن يفرغ [ ص: 113 ] من قوله : أنت طالق واحدة يوجد وقت موصوف بأنه لم يطلقها فيه ، وإن لطف ، وذلك يكفي شرطا للحنث ، ولكنه استحسن فقال : البر مراد الحالف ، ولا يتأتى له البر إلا بعد أن يجعل هذا القدر مستثنى ، وما لا يستطاع الامتناع عنه ، يجعل عفوا . زفر
وأصل المسألة فيما إذا ، فقد طلقت ثلاثا قبل قوله واحدة ، وهذا : لأن السكوت فيما بين الكلامين يستطاع الامتناع عنه ، وعلى هذا لو قال : إن ركبت هذه الدابة ، وهو راكبها فأخذ في النزول في الحال ، ولو سكت ساعة ثم قال : أنت طالق واحدة ، إن قام كما سكت لم تطلق استحسانا ، وإن سكت هنيهة طلقت ، ولو قال : ما لم أقم من مقعدي هذا فأنت طالق ، فهي طالق كما سكت ; لأن حرف " لم " عبارة عن الماضي وقد مضى حين لم يطلقها فيه ، فكان الوقت المضاف إليه الطلاق موجودا كما سكت . قال : أنت طالق حين لم أطلقك ولا نية له
وكذلك لو قال : زمان لم أطلقك ، أو يوم لم أطلقك ، أو حيث لم أطلقك ; لأن حرف " حيث " عبارة عن المكان وكم من مكان لم يطلقها فيه ، ولو قال : حين لا أطلقك لا تطلق في الحال ; لأن حرف " لا " للاستقبال ، وإن نوى بحين وقتا يسيرا أو طويلا ، تعمل نيته ، وإن لم يكن له نية ، فهو على ستة أشهر فما لم تمض ستة أشهر بعد يمينه لا تطلق ; لأن حين تستعمل بمعنى ساعة قال الله تعالى : { حين تمسون وحين تصبحون } أي وقت الصباح والمساء .
وتستعمل بمعنى قيام الساعة قال الله تعالى : { تمتعوا حتى حين } ، وتستعمل بمعنى أربعين سنة قال الله تعالى : { هل أتى على الإنسان حين من الدهر } .
وتستعمل بمعنى ستة أشهر قال الله تعالى : { تؤتي أكلها كل حين } فإذا نوى شيئا ، كان المنوي من محتملات لفظه ، وإن لم ينو شيئا ، كان على ستة أشهر هكذا قال رضي الله عنهما حين سئل عمن حلف لا يكلم فلانا حينا قال : هو على ستة أشهر فإن النخلة يدرك ثمرها في ستة أشهر ، وقال الله تعالى { ابن عباس تؤتي أكلها كل حين } ولأنه متى أراد به ساعة ، لا يستعمل فيه لفظ الحين عادة ، ومتى أراد به أربعين سنة ، أو قيام الساعة ، استعمل فيه لفظ الأبد فتعين ستة أشهر مرادا به .
وكذلك لو قال : زمان لا أطلقك فإن لفظة حين وزمان يستعملان استعمالا واحدا يقول الرجل لغيره لم ألقك منذ حين ، ولم ألقك منذ زمان .
ولو قال : يوم لا أطلقك فإذا مضى بعد يمينه يوم لم يطلقها فيه ، طلقت حتى إذا قال هذا قبل طلوع الفجر فكما غربت الشمس تطلق ; لأن اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس حتى يقدر الصوم بالإمساك فيه .