( قال ) : ; لأنه إن كان دم نسك فإقامة المناسك عليه ، وإن كان دم كفارة فالجناية وجدت منه ، وإن كان دما وجب بترك واجب فهو الذي ترك ما كان واجبا عليه فلهذا كانت هذه الدماء عليه في ماله إلا دم الإحصار فإنه في مال المحجوج عنه في قول وكل دم يلزم المجهز يعني الحاج عن الغير فهو عليه في ماله أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - . وقال ومحمد رحمه الله تعالى هو على الحاج أيضا ; لأن وجوبه لتعجيل الإحلال فيكون قياس الدم الواجب بالجماع ولأنه في معنى دم القران ; لأنه مشروع للتحلل وهما احتجا ، وقالا : دم الإحصار للخروج عن الإحرام وهو بمباشرة الإحرام كان عاملا للميت فكان الميت هو المدخل له في هذا حكما فعليه إخراجه كما بينا في العبد إذا أحرم بإذن مولاه ، ثم أحصر كان عليه إخراجه ، توضيحه أن دم الإحصار بمنزلة نفقة الرجوع ، ونفقة الرجوع في مال البيت وكان الحاج هو المنتفع به ، فكذلك دم الإحصار في ماله وإن كان الحاج هو المنتفع به ، ثم يرد ما بقي من المال على وصي الميت فيحج به إنسانا من حيث يبلغ ، ولا ضمان عليه فيما أنفق ; لأنه لم يكن مخالفا لأمر الميت فيما أنفق ، ألا ترى أنه لو أبو يوسف لم يضمن ما أنفق فكذلك إذا أحصر ، وقوله " من حيث يبلغ " يعني إذا كان ما بقي من المال لا يمكن أن يحج به من منزل الميت فيحج به من حيث يمكن وصار هذا كما لو لم يبلغ في الابتداء ثلث ماله إلا هذا القدر فيحج به بحسب الإمكان . مات في الطريق
وأصل المسألة أن من فإنما يحج من منزله ; لأنه لو خرج للحج بنفسه كان يخرج من منزله فكذلك [ ص: 157 ] يحج عنه بعد موته من منزله فإن كان ثلث ماله لا يكفي للحج من منزله يحج عنه من حيث يبلغ استحسانا وفي القياس تبطل هذه الوصية ; لأنه عجز الوصي عن تنفيذ ما أمر به وهو الحج من منزله فكان هذا بمنزلة ما إذا أوصى بأن يشترى نسمة بألف درهم فتعتق عنه وكان ثلث ماله دون الألف درهم تبطل الوصية ، وجه الاستحسان أن المقصود من الحج ابتغاء مرضاة الله تعالى ونيل الثواب فيكون بمنزلة الوصية بالصدقة ، وذلك ينفذ بحسب الإمكان بخلاف الوصية بالعتق فإن العبد إن كان معينا فالوصية تقع له ، وكذلك إن لم يكن معينا فإنما أوصى بعبد يساوي ألفا فلا يجوز تنفيذه بعبد يساوي خمسمائة فلو وجدوا من يحج عن الميت من منزله بذلك المال ماشيا لا يجوز لهم أن يحجوا من منزله ، وإنما يجوز من حيث يبلغ راكبا حتى قال أوصى بأن يحج عنه بثلث ماله رحمه الله تعالى في النوادر : راكب البعير في ذلك أفضل من راكب الحمار ، وهذا لأنه لا يلزمه أن يحج بنفسه ماشيا إن وجد النفقة فكذلك لا يحج عنه ماشيا ; لأن الحاصل للميت ثواب النفقة على ما بينا . محمد
وروى الحسن عن - رحمهما الله تعالى - قال : الخيار إلى الوصي إن شاء أحج عنه من حيث يبلغ راكبا ، وإن شاء من منزله ماشيا ; لأن في أحد الجانبين زيادة في المسافة ونقصانا في النفقة ، وفي الجانب الآخر زيادة في النفقة ونقصان في المسافة ، وفي كل واحد منهما نيل الثواب فيختار الوصي أي الجانبين شاء ، فأما المحصر بعدما تحلل فعليه قضاء الحج والعمرة بمنزلة ما لو كان أحرم عن نفسه فتحلل بالهدي ، وهذا شاهد أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإن المحصر غير مخالف ومع ذلك كان قضاء الحجة والعمرة عليه فدل أن أصل حجه عن نفسه وأن للميت ثواب النفقة فإن لمحمد كان ضامنا لهما جميعا ; لأن كل واحد منهما أمره بأن ينفق من ماله في سفر يخلص له وأن ينويه بعينه عند الإحرام ، وإذا لم يفعل صار مخالفا ، ولا يستطيع أن يجعل الحجة لواحد منهما ; لأنهما قد لزماه عن نفسه ، وهذا لأنه حين نواهما ، ولم يمكن تصحيح نيته عنهما ; لأن الحجة الواحدة لا تكون عن الاثنين ، وليس أحدها بأولى من الآخر فبطلت نيته عنهما فبقيت نية أصل الإحرام فكان محرما عن نفسه فلا يستطيع أن يحوله إلى غيره من بعد ، وهذا بخلاف أمره رجلان كل واحد منهما بالحج فأهل بحجة عنهما كان له أن يجعله عن أيهما شاء ; لأنه متبرع ، وكان ذلك أمرا بينه وبين الله تعالى فلا يتحقق الخلاف في تركه تعيين أحدهما في الابتداء بل يجعل التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء وهنا هو غير متبرع فيما صنع ، وهذا أمر بينه وبين العباد فبترك التعيين في [ ص: 158 ] الابتداء يصير مخالفا ، وإن من أحرم عن أبويه كان مخالفا أيضا ; لأنه ما أتى بسفر خالص لواحد منهما فلم يكن مستوجبا للنفقة في مال واحد منهما . وإن أمراه بالجمع جاز ; لأن كل واحد منهما صرح أن مقصوده تحصيل النسك لا خلوص السفر له ، وقد حصل مقصود كل واحد منهما ولا ضمان عليه فيما أنفق من مالهما ، وهدي المتعة عليه في ماله ، وكذلك إن أمره بالقران رجل واحد ; لأن الهدي نسك وسائر المناسك على الحاج فكذا هذا النسك أمره أحدهما بالحج والآخر بالعمرة ، ولم يأمراه بالجمع فجمع بينهما