وأما من أصبح جنبا عامدا أو ناسيا - ما لم يتعمد التمادي ضحى كذلك حتى يترك [ ص: 352 ] الصلاة عامدا ذاكرا لها : - فإن السلف اختلفوا في هذا ؟ فرأى بعضهم أنه يبطل صومه بترك الغسل قبل الفجر ؟ وقال الحنفيون ، والمالكيون ; والشافعيون : صومه تام وإن ؟ قال تعمد أن لا يغتسل من الجنابة شهر رمضان كله : أما هذا القول فظاهر الفساد ، لما ذكرنا قبل من أن تعمد المعصية يبطل الصوم ، ولا معصية أعظم من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ؟ وذهبت طائفة من السلف إلى ما ذكرنا قبل - : كما روينا من طريق أبو محمد عن شعيب بن أبي حمزة الزهري أخبرني عبد الله بن عبد الله بن عمر : " أنه ، قال : فلقيت احتلم ليلة في رمضان ثم نام فلم ينتبه حتى أصبح فاستفتيته ؟ فقال : أفطر ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا قال : فجئت إلى أبي فأخبرته بما أفتاني به أبا هريرة ، فقال : أقسم بالله لئن أفطرت لأوجعن متنك ، صم ، فإن بدا لك أن تصوم يوما آخر فافعل . أبو هريرة
وروينا من طريق عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة سمعت عبد الله بن عمرو القارئ قال { يقول : لا ورب هذا أبا هريرة البيت ، ما أنا قلت : من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصم ، محمد - ورب الكعبة - قاله } . : سمعت
قال : وقد عاب من لا دين له ولا علم له هذا الخبر بأن أبو محمد عبد الرحمن بن الحارث بن هشام روى عن أنه قال له في هذا الخبر : إن أبي هريرة أسامة بن زيد حدثه به ، وإن حدثه به ؟ قال الفضل بن عباس : وهذه قوة زائدة للخبر ، أن يكون أبو محمد أسامة والفضل روياه عن النبي صلى الله عليه وسلم وما ندري إلى ما أشار به هذا الجاهل ؟ وما يخرج من هذا الاعتراض إلا نسبة للكذب ، والمعترض بذلك أحق بالكذب منه ؟ وكذلك عارض قوم - لا يحصلون ما يقولون - هذا الخبر بأن أمي المؤمنين روتا { أبي هريرة } . [ ص: 353 ] قال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك النهار : وليس يعارض هذا الخبر ما رواه أبو محمد لأن رواية أبو هريرة هي الزائدة . أبي هريرة
والعجب ممن يرد روايتهما رضي الله عنهما في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم برأيه - : ثم يجعل روايتهما هاهنا حجة على السنة الثابتة لا سيما مع صحة الرواية { عن رضي الله عنها : أنها قالت : ما أدرك الفجر قط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا [ ص: 354 ] وهو نائم عائشة } فهلا حملوا هذا على غلبة النوم ، لا على تعمد ترك الغسل ؟ واحتج أيضا قوم بما رويناه من طريق عن عبد الرحمن بن مهدي عن هشام الدستوائي عن قتادة قال : رجع سعيد بن المسيب عن فتياه في الرجل يصبح جنبا . قال أبو هريرة : ولا حجة في رجوعه ، لأنه رأي منه ; إنما الحجة في روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد افترض علينا اتباع روايتهم ، ولم نؤمر باتباع الرأي ممن رآه منهم . علي
والعجب ممن يحتج بهذا من المالكيين وهم قد ثبتوا على ما روي عن رضي الله عنه من تحريم المتزوجة في العدة على الذي دخل بها في الأبد . عمر
وقد صح رجوع عن ذلك إلى أنه مباح له ابتداء زواجها ؟ وممن قال بهذا من السلف كما روينا من طريق عمر عن ابن جريج : أنه لما اختلف عليه عطاء ، أبو هريرة وعائشة في هذا قال : يبدل يوما ويتم يومه ذلك . عطاء
ومن طريق عن سفيان بن عيينة عن أبيه أنه قال : من أدركه الصبح جنبا وهو متعمد أبدل الصيام ; ومن أتاه غير متعمد فلا يبدله ؟ فهذا هشام بن عروة بن الزبير قد ترك قولها لرواية عروة ابن أخت عائشة رضي الله عنها . أبي هريرة
ومن طريق عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري قال : سألت منصور بن المعتمر عن الرجل يصبح جنبا ؟ فقال : أما رمضان فيتم صومه ويصوم يوما مكانه ; وأما التطوع فلا ؟ ومن طريق إبراهيم النخعي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ابن إسحاق هو عبد الله قال : سألت سالما عن رجل ؟ قال : يتم يومه ويقضي يوما مكانه . [ ص: 355 ] أصبح جنبا في رمضان
ومن طريق عن أبيه قال : من أصبح جنبا في شهر رمضان فاستيقظ ولم يغتسل حتى يصبح فإنه يتم ذلك ويصوم يوما مكانه ; فإن لم يستيقظ فلا بدل عليه . عبد الله بن طاوس
ومن طريق عن وكيع الربيع عن فيمن أصبح جنبا في رمضان : يقضيه في الفرض . ومن طريق الحسن البصري عن ابن أبي شيبة عائذ بن حبيب عن في الذي يصبح جنبا في رمضان قال : عليه القضاء . هشام بن عروة
قال : لو لم يكن إلا ما ذكرنا لكان الواجب القول بخبر أبو محمد ، لكن منع من ذلك صحة نسخه ؟ وبرهان ذلك قول الله تعالى : { أبي هريرة أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } .
حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ثنا أحمد بن دحيم ثنا ثنا إبراهيم بن حماد ثنا إسماعيل بن إسحاق عبد الواحد ثنا ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال : { ابن عباس كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } كان أحدهم إذا نام لم تحل له النساء ، ولم يحل له أن يأكل شيئا إلى القابلة ، ورخص الله لكم .
حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أخبرني ثنا هلال بن العلاء بن هلال الرقي حسين بن عياش - ثقة من أهل باجدا - : ثنا ثنا زهير بن معاوية عن أبو إسحاق السبيعي : أن أحدهم كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليلته ويومه من الغد حتى تغرب الشمس ، حتى نزلت { البراء بن عازب وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } .
قال : فصح أن هذه الآية ناسخة لكل حال تقدمت الصوم ، وخبر أبو محمد موافق لبعض الأحوال المنسوخة ، وإذ صح أن هذه الآية ناسخة لما تقدم فحكمها [ ص: 356 ] باق لا يجوز نسخه وفيها إباحة الوطء إلى تبين الفجر ; فإذ هو مباح بيقين ، فلا شك في أن الغسل لا يكون إلا بعد الفجر ، ولا شك في أن الفجر يدركه وهو جنب ، فبهذا وجب ترك حديث أبي هريرة ، لا بما سواه - وبالله تعالى التوفيق أبي هريرة