والثاني - أن لم يسمع من أبا الأحوص إلا بعد اختلاط عطاء بن السائب ، وإنما سمع من عطاء قبل اختلاطه : عطاء سفيان ، ، وشعبة ، والأكابر المعروفون . وحماد بن زيد
وقد روينا هذا الخبر من طريق عن وكيع عن سفيان الثوري عن عطاء بن السائب أبي يحيى عن " قال : { ابن عباس جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال للمدعي : أقم البينة ، فلم يقم ، وقال للآخر : احلف ، فحلف - بالله الذي لا إله إلا هو - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ادفع حقه وستكفر عنك لا إله إلا هو ما صنعت } .
فسفيان الذي صح سماعه من يذكر أن الرجل حلف كذلك ; لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يحلف كذلك ، وعلى كل حال عطاء فأبو يحيى لا شيء ثم العجب أنه لو صح لكان خلافا لمذهب في حكم الحاكم بعلمه بلا بينة . [ ص: 465 ] مالك
ثم هو حديث منكر مكذوب فاسد ; لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمره باليمين الكاذبة ، وهو عليه الصلاة والسلام يدري أنه كاذب فيأمره بالكذب ، حاش لله من هذا .
وعلى خبر آخر : من طريق عن شعبة عن عطاء بن السائب أبي البختري عن عبيدة السلماني عن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم { ابن الزبير } . أن رجلا حلف بالله الذي لا إله إلا هو كاذبا فغفر له
قال : وهذا لا حجة لهم فيه ; لأنه ليس فيه نص ، ولا دليل على وجوب الحلف بذلك في الحقوق أصلا ، بل هو ضد قولهم : إنهم زادوا ذلك تأكيدا وتعظيما فعلى هذا الخبر ما هي إلا زيادة تخفيف موجبة للمغفرة للكاذب في يمينه ، مسهلة على الفساق أن يحلفوا بها كاذبين . أبو محمد
ونحن لا ننكر أن يكون تعظيم الله تعالى والتوحيد له يوازن ما شاء الله أن يوازنه من المعاصي فيذهبها .
قال تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات } .
وذكروا حديثا آخر : رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي نا إبراهيم عن عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار قال { أبي هريرة عيسى ابن مريم رجلا يسرق فقال له أسرقت فقال : لا ، والله الذي لا إله إلا هو فقال عيسى عليه السلام : آمنت بالله وكذبت بصري } . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى
قال : وحتى لو صح هذا ، فليس فيه أن أبو محمد عيسى عليه السلام أمره بأن يحلف كذلك في خصومة - ثم لو كان ذلك فيه فشريعة عيسى عليه السلام لا تلزمنا ، إنما يلزمنا ما أتانا به محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وذكروا الخبر الذي رويناه أيضا : من طريق أحمد بن شعيب أنا عمرو بن هشام الحراني نا محمد بن مسلمة عن أبي عبد الرحيم عن عن زيد بن أبي أنيسة أبي إسحاق عن عن عمرو بن ميمون الأودي فذكر { ابن مسعود أبا جهل يوم بدر ، قال : ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال : آلله الذي لا إله إلا هو ، قلت : آلله [ ص: 466 ] الذي لا إله إلا هو ، قال : آلله الذي لا إله إلا هو ؟ قلت : آلله الذي لا إله إلا هو قال : انطلق فاستثبت ؟ فانطلقت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن جاءكم يسعى مثل الطير يضحك فقد صدق ، فانطلقت فاستثبت ثم جئت وأنا أسعى مثل الطير أضحك فأخبرته فقال : انطلق فأرني مكانه فانطلقت معه فأريته مكانه ؟ فحمد الله وقال : هذا فرعون هذه الأمة } . أنه قتل
قال : وهذا خبر لا متعلق لهم به أصلا ، لوجوه - : منها - أنه إسناد متكلم فيه ، والصحيح : أنه إنما قتل علي أبا جهل ابنا عفراء .
ثم إنها لم تكن خصومة ، إنما كانت مناشدة .
ثم إن كانت مناشدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم توجب أن لا يكون التحليف في الحقوق إلا كذلك ، فإن تكراره عليه الصلاة والسلام مناشدته يوجب أن تتكرر اليمين على الحالف في الحقوق ، وهذا باطل - فبطل ما تعلقتم به . لابن مسعود
قال : فلم يبق لهم حجة أصلا في إيجابهم هذه الزيادة في التحليف . أبو محمد
فإن قالوا : هي زيادة خير .
قلنا : نعم فألزموه الصدقة ، وأن يصلي أربع ركعات ، فكل ذلك زيادة خير - ولا يحل لأحد أن يلزم آخر فعل شيء معين من الذكر والبر إلا بقرآن أو سنة يوجب نصهما ذلك ، وإلا فالموجب ما لا نص في إيجابه عاص لله عز وجل متعد لحدوده .
قال : ووجب أن ننظر فيما يشهد بصحة قولنا من النصوص - : فوجدنا الله عز وجل يقول : { أبو محمد تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم } .
وقال تعالى : { فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما } .
وقال تعالى : { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } .
وقال تعالى : { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله } .
وقال تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } .
وقال تعالى : { قل إي وربي } . [ ص: 467 ]
فلم يأمر الله تعالى قط أحدا بأن يزيد في الحلف على " بالله " شيئا ، فلا يحل لأحد أن يزيد على ذلك شيئا موجبا لتلك الزيادة .
حدثنا يونس بن عبد الله نا أبو بكر بن أحمد بن خالد نا أبي علي بن عبد العزيز نا أبو عبيد نا - نا إسماعيل بن جعفر - هو المقري عن عبد الله بن دينار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { ابن عمر } . من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله
وهذا نص جلي على إبطال زيادتهم وإيجابهم من ذلك خلاف ما أمر الله تعالى به في القرآن والسنة - .
وصح : { } . أنه عليه الصلاة والسلام كان يحلف : لا ومقلب القلوب
فصح : أن أسماء الله تعالى كلها يحلف الحالف بأيها شاء .
قال : وهذا مما خالفوا فيه أبو محمد ، عثمان بن عفان مما صح عنهما ، وما روي عن وزيد بن ثابت ، أبي موسى ، ولا يعرف لهم من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - مخالف في ذلك أصلا - وبالله تعالى التوفيق . وعلي
وما وجدنا قول في ذلك عن أحد قبله . أبي حنيفة
وأما قول : فعن مالك وحده كما ذكرنا . شريح
وأما قول ، مالك : من حيث يحلف الناس ، فقول لم يوجبه قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، وقلدوا فيها والشافعي . مروان
وخالفوا : ، زيد بن ثابت ، وهذا عجب جدا . وابن عمر
وخالفوا : في جلبه رجلا من عمر بن الخطاب العراق ليحلف بمكة بحضرة الصحابة بالعراق ، والحجاز ، في جلبه من ومعاوية المدينة إلى مكة بحضرة الصحابة - وهم يعظمون مثل هذا إذا وافق أهواءهم - وما نعلم لقولهم سلفا من الصحابة تعلقوا به ، إلا أنهم شغبوا بأخبار نذكرها - إن شاء الله تعالى .
روينا من طريق عن مالك هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس [ ص: 468 ] عن " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { جابر بن عبد الله } . من حلف عند منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار
ومن طريق أحمد بن شعيب أخبرني إبراهيم بن يعقوب نا نا ابن أبي مريم عبد الله بن منيب بن عبد الله بن أبي أمامة بن ثعلبة أخبرني أبي عن عبد الله بن عطية عن عبد الله بن أنيس نا أبو أمامة بن ثعلبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { } . من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله تعالى منه عدلا ولا صرفا
ومن طريق عن ابن وضاح نا أبي بكر بن أبي شيبة عن أبو الأحوص عن سماك علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه ، { } . أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض ، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للمدعي : ألك بينة قال : لا ، قال : فلك يمينه . فقال : يا رسول الله إنه فاجر ليس يبالي ما حلف ليس يتورع من شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس لك منه إلا ذلك قال : فانطلق ليحلف له ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما والله لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض
ومن طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن معمر نا - نا حبان - هو ابن هلال أبو عوانة عن - عن عبد الملك - هو ابن عمير علقمة - هو ابن وائل - عن " أنه { وائل بن حجر } . سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول للمدعي في أرض : بينتك قال : ليس لي ، قال : يمينه ، قال : إذا يذهب بمالي قال : ليس لك إلا ذلك ، فلما قام ليحلف قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اقتطع أرضا ظالما لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان
قال : هذا كل ما شغبوا به - : فأما خبر أبو محمد علقمة بن وائل : فإن راوي لفظة " انطلق " : سماك بن حرب - وهو ضعيف يقبل التلقين - ثم ليس فيه : أنه انطلق إلى المنبر ، وقد يريد انطلق في كلامه ليحلف ، ولا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره بالانطلاق ، ولا بالقيام ، ولا حجة في فعل أحد دون أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . [ ص: 469 ] وأما الخبران الأولان : فليس فيهما إلا تعظيم اليمين عند منبره - عليه الصلاة والسلام - فقط ، وليس فيهما : أنه أمر - عليه الصلاة والسلام - بأن لا يحلف المطلوب إلا عنده ، ونحن لم نخالفهم في هذا .
ولو كان هذان الخبران يوجبان أن لكان لا يحلف المطلوب إلا عند منبره عليه الصلاة والسلام ، مالك ، قد خالفها في موضعين - : أحدهما : أنهما لا يحلفان عنده إلا في مقدار ما من المال لا في أقل منه ، فليت شعري أين وجدا هذا ؟ وليس في هذين الخبرين تخصيص الحلف عنده في عدد دون عدد ، بل فيه نص التسوية بين القليل والكثير في ذلك - : كما حدثنا والشافعي حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا نا أبو بكر بن أبي شيبة عبد الله بن نمير نا هاشم بن هاشم بن عتبة أخبرني عبد الله بن نسطاس : أنه سمع يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { جابر بن عبد الله } . لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار
فظهر خلافهم لهذا الخبر نفسه .
والموضع الآخر : أنهما يحلفان من بعد في غيره من الجوامع ، فقد خالفا هذا الخبر أيضا ، ولئن جاز أن لا يحلف من بعد عنه عليه إنه لجائز فيما قرب أيضا ولا فرق ، وليس للبعد والقرب حد في الشريعة ، إلا أن يحد حاد برأيه فيزيد في البلاء والشرع بما لم يأذن به الله تعالى ، وقد نجد من يشق عليه المشي لضعفه مائة ذراع ومن لا يشق عليه مشي خمسين ميلا ، فظهر فساد قولهم جملة .
وأيضا : فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأصح طريق من هذين الخبرين : ما رويناه من طريق عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن معبد بن كعب بن مالك عن أخيه عبد الله بن كعب عن أبي أمامة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { } . [ ص: 470 ] من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب النار ، قالوا : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال : وإن كان قضيبا من أراك قالها ثلاثا
وروينا من طريق نا البزار نا أحمد بن منصور عبد الرحمن بن يونس نا عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن أبي صالح عن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { أبي هريرة ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة فذكر فيهم ورجل حلف على يمين بعد صلاة العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم } . قال : فإن كان تعظيم الحلف عند منبره عليه الصلاة والسلام موجبا لأن لا يحلف المطلوبون إلا عنده ; فإن تعظيمه عليه الصلاة والسلام الحلف بعد صلاة العصر موجب أيضا : أن لا يحلف المطلوبون إلا في ذلك الوقت ، وهذا خلاف قولهم . أبو محمد
ثم العجب كله قياسهم سائر الجوامع على مسجده صلى الله عليه وآله وسلم ولا خلاف في أنه لا فضل لجامع في سائر البلاد على سائر المساجد ، وأنه لو جعل مسجد آخر جامعا وترك التجميع في الجامع لما كان في ذلك حرج أصلا ولا كراهة ، فمن أين خرجت هذه القياسات الفاسدة .
فإن قالوا : فعلنا ذلك ليزدجر المبطل ؟ قلنا : فافعلوا ذلك في القليل والكثير ، فإن الوعيد جاء في ذلك كله في القرآن والسنة سواء ، حتى في قضيب من أراك ، إلا إن كان القليل عندكم خفيفا - فهذا مذهب ، النظام ، وأبي الهذيل العلاف ، وهم القوم لا يتكثر بهم . وبشر بن المعتمر
وأيضا : فإن المحق قد يخشى السمعة والشهرة في حمله إلى الجامع فيترك حقه ، فقد حصلتم بنظركم على إبطال الحقوق ، وأف لهذا نظرا .
قال : فصح أنه لو وجبت اليمين في مكان دون مكان ، وفي حال دون حال : لبينها عليه الصلاة والسلام فإذ لم يبين ذلك فلا يخص باليمين مكان دون مكان ، ولا حال دون حال . أبو محمد
وأما مقدار ما يرى فيه ، مالك : التحليف في الجوامع ، فقد ذكرنا أن والشافعي ذكر : أن الشافعي أنكر التحليف عند عبد الرحمن بن عوف الكعبة إلا في دم أو كثير من المال وهذا ليس بشيء لوجوه - : أولها : أنها رواية ساقطة لا يدرى لها أصل ولا منبعث ولا مخرج ، ثم لو صحت فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ; [ ص: 471 ] ثم إن مات زمن عبد الرحمن عثمان - رضي الله عنهما - فوالي مكة يومئذ كان بلا شك من الصحابة لقرب العهد ، فليس قول أولى من قول غيره من الصحابة . عبد الرحمن
ثم لم يحد في كثير المال ما حده عبد الرحمن ، مالك ، وما نعلم أحدا سبق والشافعي إلى تحديد ذلك بثلاثة دراهم ، ولا من سبق مالكا إلى تحديده بعشرين دينارا . الشافعي
فإن قيل : إن في ثلاثة دراهم تقطع اليد فيها .
قلنا : ومن حد ذلك ، إنما حد قوم بربع دينار ، وأما بثلاثة دراهم فلا - ويعارض هذا تحديد بأن عشرين دينارا تجب فيها الزكاة ، فمن أين وقع لهم تخصيص ذلك دون مائتي درهم التي صح فيها النص . الشافعي
أو يعارضهم آخرون بمقدار الدية ، وهذا كله تخليط لا معنى له .
ويقال لهم : أترون ما دون ما تقطع فيه اليد أيتساهل في ظلم المسلمين فيه ؟ حاش لله من هذا ، وقد وجدنا ألف ألف دينار تؤخذ غصبا فلا يجب فيها قطع ، والغصب والسرقة سواء في أنهما ظلم ، وأخذ مال بالباطل ولعل الغاصب أعظم إثما ، لاهتضامه المسلم علانية ، بل لا نشك في أن غاصب دينار أعظم إثما من سارق ربع دينار ، وفي المسلمين من الدرهم عنده عظيم لفقره ، وفيهم من ألف دينار عنده قليل ليساره ، فظهر فساد هذه الأقوال بيقين لا إشكال فيه - والحمد لله رب العالمين .