1780 - مسألة : دون أن يوافق قرآنا أو سنة صحيحة ; لأن كل ذلك حكم بغالب الظن . ولا يحل الحكم بقياس ، ولا بالرأي ولا بالاستحسان ولا بقول أحد ممن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد قال الله تعالى : { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } .
وقال تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } . إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث
فإن قيل : فإنكم في أخذكم بخبر الواحد متبعون للظن .
قلنا : كلا ، بل للحق المتيقن ، قال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } . [ ص: 430 ]
وقال تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } .
فإن قيل : فإنكم في الحكم بالبينة واليمين حاكمون بالظن .
قلنا : كلا ، بل بيقين أن الله تعالى أمرنا بذلك نصا وما علينا من مغيب الأمر شيء إذ لم نكلفه .
وأيضا - فإنه لا يخلو ما أوجبه القياس ، أو ما قيل برأي أو استحسان أو تقليد قائل من أحد ، أوجه ثلاثة لا رابع لها ضرورة - : إما أن يكون ذلك موافقا لقرآن أو لسنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا إنما يحكم فيه بالقرآن أو بالسنة ، ولا معنى لطلب قياس ، أو رأي ، أو قول قائل موافق لذلك ، ومن لم يحكم بالقرآن ، أو بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حتى يوافق ذلك قياس ، أو رأي ، أو قول قائل فقد انسلخ عن الإيمان .
قال الله عز وجل : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وهذا الذي لم يحكم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر عنده فيما بين الناس إلا حتى وافقه قياس أو رأي ، أو قول قائل فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلم له تسليما ، بل وجد في نفسه حرجا مما قضى به عليه الصلاة والسلام فوربنا ما آمن .
وإما أن يكون مخالفا للقرآن أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الضلال المتيقن ، وخلاف دين الإسلام ، ولا نحتاج أن نطول في هذا مع مسلم .
قال تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها }
وقال تعالى : { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها } .
وإما أن لا يوجد في القرآن والسنة ما يوافقه نصا ولا ما يخالفه ، فهذا معدوم من العالم ولا سبيل إلى وجوده .
قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم } .
وقال تعالى : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { } . دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة [ ص: 431 ] مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاتركوه
فصح ضرورة أنه لا يخرج حكم أبدا عن أن يأمر به الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فيكون فرضا ما استطعنا منه أو ينهى عنه الله تعالى على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام فيكون حراما ، أو لا يكون فيه أمر ولا نهي فهو مباح فعله وتركه ، وبطل أن تنزل نازلة في الدين لا حكم لها في القرآن والسنة - ولو وجدت - وقد أبى الله عز وجل أن توجد - : لكان من أراد أن يشرع فيها حكما داخلا في الدين ذم الله تعالى إذ قوله تعالى : { شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } .
فإن قالوا : نحكم فها بحكم ما يشبهها من القرآن والسنة ؟ قلنا : وأين أمركم الله تعالى بهذا ؟ وهذا هو الشرع في الدين بما لم يأذن به الله .
فإن قالوا : قال الله تعالى : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } ؟ قلنا : نعم ، اعتبروا معناه اعجبوا قال الله تعالى : { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم } ، وما فهم أحد قط من " { اعتبروا } احكموا للشيء بحكم نظيره ، وهذا هو تحريف للكلم عن مواضعه ، والقول على الله تعالى بالباطل وبما لم يقله .
فإن قالوا : قد قال الله تعالى : { وشاورهم في الأمر } .
قلنا : نعم ، فيما أبيح له فعله وتركه ، لا في شرع الدين بما لم يأذن فيه الله تعالى ، ولا في إسقاط فرض فرضه الله تعالى ، ولا في إباحة ما حرمه الله تعالى ، ولا في تحريم ما أحله الله تعالى ، ولا في إيجاب ما لم يوجبه الله تعالى .
وقد قال الله تعالى : { واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } .
فصح أن الأخذ برأيهم لا يجوز في الدين إلا حيث صححه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقط ، وما كان هكذا فإنما صح طاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا اتباعا لمن أشار به - ثم كل ما أتوا به من آية أو سنة فيها : أن الله تعالى حكم في أمر كذا بكذا من أجل كذا وكذا ، أو كما حكم في أمر كذا . [ ص: 432 ]
قلنا : هو حق كما هو .
وكلما أردتم أن تشرعوا أنتم فيه تشبيها له بحكم آخر دون نص فهو باطل بحت لا يحل ، فليس لأحد أن يحرم ما لم يحرمه الله تعالى من أجل أن الله تعالى حرم أشياء أخر ، ولا أن يوجب ما لم يوجبه الله عز وجل من أجل أن الله عز وجل أوجب أشياء أخر - : فهذا كله تعد لحدود الله عز وجل ، وشرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى .
فإن ادعوا في جواز ذلك إجماعا .
قلنا : هذا الكذب والبهت ، بل الإجماع قد صح على بطلان كل ذلك ; لأن الأمة كلها مجمعة على تصديق قول الله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم } .
وعلى تصديق قول الله تعالى : { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } .
وفي هذا بطلان . الحكم بما عدا القرآن والسنة
ثم نقض من نقض فأخطأ قاصدا إلى الخير ، ولا سبيل لهم ألبتة إلى وجود حكم طول مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقياس أصلا ، ولا برأي ألبتة ، وكل شرع حدث بعده عليه الصلاة والسلام لم يحكم هو به ، فهو باطل بيقين ، وليس من الدين ألبتة ، قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم } وما كمل فلا يجوز ألبتة أن يزاد فيه شيء أصلا ، ولا سبيل ألبتة إلى أن يوجد عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - الأمر بالقياس في الدين من طريق صحيحة أبدا .
وأيضا - فمدعي الإجماع على ما لا يتيقن أن كل مسلم فقد عرفه وقال به : كاذب على الأمة كلها ، وقد نص الله تعالى على أن نفرا من الجن آمنوا ، وسمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم صحابة وفضلاء ، فمن لهذا المدعي بالباطل بإجماع أولئك ، فكيف وإحصاء أقوال الصحابة رضي الله عنهم لا تحصر إلا حيث لا يشك في أن كل مسلم فقد عرفه .
وقد قال رضي الله عنه : من ادعى الإجماع فقد كذب ، وما يدريه لعل الناس اختلفوا في ذلك - : [ ص: 433 ] حدثنا بذلك : أحمد بن حنبل حمام بن أحمد ، ويحيى بن عبد الرحمن بن مسعود ، قال حمام : نا عباس بن أصبغ ، وقال يحيى : نا أحمد بن سعيد بن حزم ، ثم اتفق ، أحمد ، قالا : نا وعباس محمد بن عبد الملك بن أيمن نا قال : قال أبي فذكره عبد الله بن أحمد بن حنبل