1470 - مسألة : لا في البدو ولا في شيء مما يجلبه الخصاص إلى الأسواق ، والمدن ، والقرى ، أصلا ولا أن يبتاع له شيئا لا في حضر ولا في بدو ، فإن فعل فسخ البيع والشراء أبدا ، وحكم فيه بحكم الغصب ، ولا خيار لأحد في إمضائه ، ولكن يدعه يبيع لنفسه ، أو يشتري لنفسه ، أو يبيع له خصاص مثله ، ويشتري له كذلك ، لكن يلزم الساكن في المدينة ; أو القرية ، أو المجشر : أن ينصح للخصاص في شرائه وبيعه ، ويدله على السوق ، ويعرفه بالأسعار ، ويعينه على رفع سلعته إن لم يرد بيعها وعلى رفع ما يشتري . ولا يجوز أن يتولى البيع ساكن مصر ، أو قرية ، أو مجشر لخصاص
وجائز - وجائز لساكن المصر ، والقرية ، والمجشر أن يبيع ويشتري لمن هو ساكن في شيء منها . [ ص: 381 ] للخصاص أن يتولى البيع ، والشراء لساكن المصر ، والقرية ، والمجشر
برهان ذلك - : ما رويناه من طريق أنا مسلم زهير بن حرب أنا عن سفيان بن عيينة الزهري عن عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } . أنه نهى أن يبيع حاضر لباد
ومن طريق أنا مسلم يحيى بن يحيى أنا عن هشيم عن يونس بن عبيد عن ابن سيرين ، قال : نهينا أن يبيع حاضر لباد ، وإن كان أخاه أو أباه . أنس بن مالك
ومن طريق أنا مسلم إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - أنا أنا عبد الرزاق عن معمر عن أبيه عن ابن طاوس قال : { ابن عباس } . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد
قال : فقلت طاوس : ما قوله حاضر لباد ؟ لابن عباس
قال : لا يكون له سمسارا .
ومن طريق أحمد بن شعيب أنا إبراهيم بن الحسن أنا حجاج - هو ابن محمد - قال : قال : أخبرني ابن جريج : أنه سمع أبو الزبير يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { جابر بن عبد الله } . لا يبع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن شبابة حدثني ابن أبي ذئب مسلم الخياط عن قال : { ابن عمر } . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حاضر لباد
فهذا نقل خمسة من الصحابة بالطرق الثابتة ، فهو نقل تواتر ، وبه تأخذ الصحابة رضي الله عنهم - : كما روينا آنفا مفسرا مبينا . ابن عباس
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري أبي موسى عن الشعبي : كان المهاجرون يكرهون بيع حاضر لباد [ ص: 382 ] قال الشعبي : وإني لأفعله .
قال : الأولى أن يحمل عليه قول أبو محمد الشعبي ، " وإني لأفعله " أي إني أكرهه كما كرهوه - : ومن طريق أنا سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة مسلم الخياط : أنه سمع ينهى أن يبيع حاضر لباد . أبا هريرة
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن ابن عيينة مسلم الخياط : أنه سمع يقول : نهي أن يبيع حاضر لباد - وسمع أبا هريرة يقول : لا يبيع حاضر لباد . عمر
ومن طريق عن وكيع عن سفيان الثوري أبي حمزة عن إبراهيم النخعي قال : قال : دلوهم على السوق ، دلوهم على الطريق ، وأخبروهم بالسعر . عمر بن الخطاب
ومن طريق أبي داود سمعت حفص بن عمر يقول : أنا أبو هلال أنا عن محمد بن سيرين قال : كان يقال : لا يبع حاضر لباد - وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا . أنس بن مالك
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن أبو أسامة عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين قال : لا يبع حاضر لباد . أنس
ومن طريق أبي داود أنا أنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق سالم المالكي : أن { طلحة بن عبد الله ، فقال له : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد ، ولكن اذهب إلى السوق فانظر من بايعك فشاورني حتى آمرك أو أنهاك طلحة } . أعرابيا حدثه أنه قدم بجلوبة له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل على
فهؤلاء المهاجرون جملة ، ، وعمر بن الخطاب ، وأنس ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم - وهو قول وطلحة ، عطاء . وعمر بن عبد العزيز
وروينا عن بعض التابعين خلافه .
روينا عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يشتري من الأعرابي للأعرابي ، قيل له : فيشترى منه للمهاجر ؟ قال لا . [ ص: 383 ] ومن طريق أنا سعيد بن منصور هشيم أبو حرة سمعت الحسن يقول : اشتر للبدوي ولا تبع له . ومن طريق أنا ابن أبي شيبة - عن أبو داود - هو الطيالسي إياس بن دغفل : قرئ علينا كتاب : لا يبع حاضر لباد . ومن طريق عمر بن عبد العزيز أنا سعيد بن منصور سفيان عن ابن أبي نجيح عن قال : إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ، لأنه أراد أن يصيب المسلمون من غرتهم ، فأما اليوم فلا بأس - وقال مجاهد : لا يصلح اليوم . ومن طريق عطاء عن وكيع ابن خثيم قلت : قوم من لعطاء الأعراب يقدمون علينا أفنشتري لهم ؟ قال : لا بأس . ومن طريق عن وكيع عن سفيان الثوري المغيرة عن ، قال : كان يعجبهم أن يصيبوا من إبراهيم الأعراب رخصة - وهو قول الأوزاعي ، ، وسفيان الثوري ، وأحمد وإسحاق ، ، والشافعي ، وأبي سليمان ، ومالك . قال والليث الأوزاعي : لا يبيع له ، ولكن يشير عليه ، وليست الإشارة بيعا إلا أن قال : إن وقع البيع لم يفسخ . الشافعي
وقال ، الليث : لا يشير عليه . وقال ومالك : لا يبيع الحاضر أيضا لأهل القرى ، ولا بأس بأن يشتري الحاضر للبادي إنما منع من البيع له فقط ، ثم قال : لا يبع مدني لمصري ، ولا مصري لمدني ، ولكن يشير كل واحد منهما على الآخر ويخبره بالسعر . وقال مالك : أبو حنيفة ، لا بأس بذلك . قال يبيع الحاضر للبادي : أما فسخنا للبيع فإنه بيع محرم من إنسان منهي عن ذلك البيع ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبو محمد } . وناقض من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ههنا ، إذ لم يبطل هذا البيع ، وأبطل سائر البيوع المنهي عنها بلا دليل مفرق . وأما من قال : إن النهي عن ذلك ليصاب غرة من البدري ، وأنه نظر للحاضرة ، [ ص: 384 ] فباطل - وحاش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذا ، وهو الذي قال فيه ربه تعالى : { الشافعي بالمؤمنين رءوف رحيم } وأهل البدو مؤمنون كأهل الحضر ، فنظره وحياطته عليه السلام للجميع سواء ، ويبطل هذا التأويل الفاسد من النظر الصحيح : أن ذلك لو كان نظرا لأهل الحضر لجاز للحاضر أن يبيع للبادي من البادي ، وأن يشتري منه لنفسه ، وكلا الأمرين لا يجوز - : فصح أن هذه علة فاسدة ، وأنه لا علة لذلك أصلا إلا الانقياد لأمر الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
وأما قول فخطأ من جهات - : أما تفريقه بين البيع للبادي فمنع منه ، وبين الشراء له فأباحه - : فخطأ ظاهر ; لأن لفظه " لا يبع " يقتضي أن لا يشتري له أيضا ، كما قال مالك - وهو حجة في اللغة وفي الدين - أنس بن مالك والعرب تقول : بعت بمعنى اشتريت ، قولا مطلقا ، وإذا اشترى له من غيره فقد باع من ذلك الغير له يقينا بلا تكلف ضرورة ، وقد قال تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } . فحرموا الشراء كما حرموا البيع وأحلوا ههنا الشراء له وحرموا البيع له . وأما قول " لا يبع لأهل القرى " فخطأ ; لأن اسم " البادي " لا يقع عند مالك العرب على ساكن في المدن ألبتة ، وإنما يقع على أهل الأخبية ، والخصوص ، المنتجعين مواقع القطر للرعي فقط .
وأما تفريقه بين من كان من أهل الدين بمنزلة أهل المدن وبين سائر أهل القرى ، فخطأ ثالث بلا دليل أصلا . وأما قوله " لا يبع مدني لمصري ولا مصري لمدني " فخطأ رابع لا دليل عليه ألبتة ، ولا نعلم أحدا قاله قبله .
وإنما تفريقه بين المدني ، والمصري ، فرأى أن يشير كل واحد منهما على الآخر ولا يبيع له ، ولم ير أن يشير حاضر على أعرابي ولا يبيع له - : فخطأ خامس بلا دليل ؟ فهذه وجوه خمسة مخالفة للخبر المذكور ، لا دليل على صحة شيء منها ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه ، ولا من قول أحد قبله لا صاحب ، ولا تابع . وأما قوله " لا يشير الحاضر على البادي " فإن من قال بهذا احتج بما روي في [ ص: 385 ] بعض هذه الأخبار من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { } ؟ قال دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض : وهذا لا حجة لهم فيه أصلا ، ولا في هذا اللفظ ما توهموه من الميل على أهل البادية ، لا نص ، ولا أثر ، ولا شبهة بوجه من الوجوه ; لأنه عليه السلام لم يقل : دعوا الحاضرين يرزقهم الله من أهل البادية ، إنما قال : { أبو محمد } وأهل البدو من الناس كما أهل الحضر سواء سواء ولا فرق ، فيدخل في هذا اللفظ رزق الله تعالى للبادي من الحاضر ، وللبادي من البادي ، وللحاضر من البادي ، وللحاضر من الحاضر : دخولا مستويا ، لا مزية لشيء من ذلك على شيء آخر منه - : فبطل ذلك الظن الكاذب ، ولا يحل من بيع البادي والحاضر إلا ما يحل من بيع الحاضر للحاضر ، ولا فرق . فإن قالوا : إنما نهى عن أن يبيع له ، قسنا على ذلك أن لا يشير عليه ؟ قلنا : القياس كله باطل ، ولو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ; لأنكم تركتم أن تمنعوا من الشراء له قياسا على البيع له ، وهو بيع مثله ، وقستم الإشارة على البيع وليست منه في ورد ولا صدر . دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض
ولا يختلفون في أن امرأ لو شاور آخر بعد النداء للجمعة في بيع فأشار عليه لم يحرج ولا أتى مكروها ، ولو باع أو اشترى لعصى الله تعالى ، وأن من حلف أن لا يبيع فأشار في أمر بيع لم يحنث ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { } والبادي من المسلمين فالنصحية له فرض - ولو أراد الله تعالى أن لا يشار عليه لنص على ذلك كما نص على البيع على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم . وقد ذكرنا النصيحة للبادي آنفا من طريق : الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللأئمة ولجماعة المسلمين ، عمر بن الخطاب ولا مخالف لهما في ذلك من الصحابة ، وقد جاء في ذلك أثر - : [ ص: 386 ] كما روينا من طريق وطلحة بن عبيد الله أنا سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب حكيم بن أبي يزيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل أخاه فلينصح له } . وأما فلم يحتج إلى تطويل لكن خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن أن يبيع حاضر لباد بنقل التواتر . أبو حنيفة
وخالف ما جاء في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم دون أن يعرف لهم منهم مخالف وهم يشنعون بأقل من هذا . فمن أعجب ممن يرد هذه الآثار المتواترة المتظاهرة الصحاح من السنن ، وعن الصحابة ثم يقلد آثارا واهية مكذوبة في جعل الآبق فلا يعللها ، ولا يتأول فيها هذا ؟ وهم يطلقون في أصولهم أن الأثر وإن كان ضعيفا فهو أقوى من النظر - وحسبنا الله ونعم الوكيل .