1447 مسألة : وكل فإنهما إن عقداه قبل عقد البيع أو بعد تمام البيع بالتفرق بالأبدان ، أو بالتخيير ، أو في أحد الوقتين - يعني قبل العقد أو بعده - ولم يذكراه في حين عقد البيع ، فالبيع صحيح تام ، والشرط باطل لا يلزم . شرط وقع في بيع منهما ، أو من أحدهما ، برضا الآخر
فإن ذكرا ذلك الشرط في حال عقد البيع فالبيع باطل مفسوخ ، والشرط باطل - أي شرط كان لا تحاش شيئا - إلا سبعة شروط فقط ، فإنها لازمة ، والبيع صحيح ، إن اشترطت في البيع - وهي :
اشتراط الرهن فيما تبايعاه إلى أجل مسمى .
واشتراط تأخير الثمن إن كان دنانير أو دراهم إلى أجل مسمى .
واشتراط أداء الثمن إلى الميسرة - وإن لم يذكرا أجلا .
واشتراط صفات المبيع التي يتراضيانها معا ويتبايعان ذلك الشيء على أنه بتلك الصفة .
واشتراط أن لا خلابة .
وبيع العبد ، أو الأمة ، فيشترط المشتري مالهما أو بعضه مسمى معينا ، أو جزءا منسوبا مشاعا في جميعه ، سواء كان مالهما مجهولا كله ، أو معلوما كله ، أو معلوما بعضه ، مجهولا بعضه .
أو بيع أصول نخل فيها ثمرة قد أبرت قبل الطيب أو بعده ، فيشترط المشتري الثمرة لنفسه أو جزءا معينا منها أو مسمى مشاعا في جميعها .
فهذه ولا مزيد ، وسائرها باطل كما قدمنا - : كمن باع مملوكا بشرط العتق ، أو أمة بشرط الإيلاد ، أو دابة واشترط ركوبها مدة مسماة - قلت أو كثرت - أو إلى مكان مسمى قريب أو بعيد .
أو دارا واشترط سكناها ساعة فما فوقها ، أو غير ذلك من الشروط كلها .
برهان ذلك - : ما رويناه من طريق أنا مسلم بن الحجاج أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني [ ص: 320 ] أنا - أنا أبو أسامة - هو حماد بن أسامة عن أبيه قال : أخبرتني هشام بن عروة فذكرت حديثا قالت فيه { عائشة أم المؤمنين } وذكر باقي الخبر . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : أما بعد فما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق
ومن طريق أبي داود حدثنا القعنبي ، قالا جميعا : نا وقتيبة بن سعيد - عن الليث هو ابن سعد ابن شهاب عن قال : إن عروة بن الزبير أخبرته { عائشة أم المؤمنين } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقال : ما بال أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة ، شرط الله أحق وأوثق
فهذا الأثر كالشمس صحة وبيانا يرفع الإشكال كله .
فلما كانت الشروط كلها باطلة - غير ما ذكرنا - كان كل عقد من بيع أو غيره : عقد على شرط باطل باطلا ولا بد ; لأنه عقد على أنه لا يصح إلا بصحة الشرط ، والشرط لا صحة له ، فلا صحة لما عقد بأن لا صحة له إلا بصحة ما لا يصح .
قال : وأما تصحيحنا الشروط السبعة التي ذكرنا ، فإنها منصوص على صحتها ، وكل ما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه فهو في كتاب الله عز وجل قال تعالى : { أبو محمد وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } .
وقال تعالى : { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } .
وقال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } .
فأما فلقوله تعالى : { اشتراط الرهن في البيع إلى أجل مسمى ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } .
وأما فلقول الله تعالى : { اشتراط الثمن إلى أجل مسمى إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } . [ ص: 321 ]
وأما اشتراط " أن لا خلابة " فقد ذكرنا الخبر في ذلك قبل هذا المكان بنحو أربع مسائل .
وأما من السلامة ، أو من أن لا خديعة ، ومن صناعة العبد ، أو الأمة ، أو سائر صفات المبيع ، فلقول الله تعالى : { اشتراط الصفات التي يتبايعان عليها لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فنص تعالى على التراضي منهما والتراضي لا يكون إلا على صفات المبيع ، وصفات الثمن ضرورة .
وأما فلقول الله تعالى : { اشتراط الثمن إلى الميسرة وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } .
وروينا من طريق أخبرني شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عكرمة عن { عائشة أم المؤمنين } وذكر باقي الخبر . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي قدمت عليه ثياب : ابعث إلي بثوبين إلى الميسرة
وأما مال العبد ، أو الأمة واشتراطه ، واشتراط ثمر النخل المؤبر - : فلما روينا من طريق أنا عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { سالم بن عبد الله بن عمر } ومن باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع . من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع
قال : ولو وجدنا خبرا يصح في غير هذه الشروط باقيا غير منسوخ لقلنا به ولم نخالفه ، وسنذكر إن شاء الله تعالى حكم هذين الشرطين إذ قد ذكرنا غيرهما - [ ص: 322 ] والحمد لله رب العالمين - وقد ذكرنا رواية أبو محمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال : كل بيع فيه شرط فليس بيعا . عطاء
قال : فإن احتج معارض لنا بقول الله تعالى : { علي أوفوا بالعقود } وقوله تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } .
وبما روي { } . المسلمون عند شروطهم
قلنا : [ وبالله تعالى التوفيق ] أما أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود : لا يختلف اثنان في أنه ليس على عمومه ولا على ظاهره ، وقد جاء القرآن بأن نجتنب نواهي الله تعالى ومعاصيه ، فمن عقد على معصية فحرام عليه الوفاء بها ، فإذ لا شك في هذا فقد صح أن كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، والباطل محرم ، فكل محرم فلا يحل الوفاء به .
وكذلك قوله تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } فلا يعلم ما هو عهد الله إلا بنص وارد فيه ، وقد علمنا أن كل عهد نهى الله عنه فليس هو عهد الله تعالى ، بل هو عهد الشيطان فلا يحل الوفاء به ، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن { } ، والباطل لا يحل الوفاء به . كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل
وأما الأثر في ذلك - : فإننا رويناه من طريق حدثني ابن وهب أنا سليمان بن بلال كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } . المسلمون عند شروطهم
ورويناه أيضا من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي حدثني الحزامي عن محمد بن عمر عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمر بن عبد العزيز } . المسلمون على شروطهم
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن يحيى بن أبي زائدة عبد الملك عن : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عطاء } . المسلمون عند شروطهم
ومن طريق عن أبي بكر بن أبي شيبة عن الحجاج بن أرطاة عن شيخ من خالد بن محمد بني كنانة سمعت يقول : المسلم عند شرطه . [ ص: 323 ] عمر
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر إسماعيل بن عبيد الله عن قال عبد الرحمن بن غنم " إن مقاطع الحقوق ، عند الشروط " . عمر بن الخطاب
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث جعفر بن محمد عن أبيه عن قال : " المسلمون عند شروطهم " . علي
قال : أبو محمد كثير بن زيد هو كثير بن عبد الله بن عمرو بن زيد - هالك متروك باتفاق - والوليد بن رباح - مجهول - والآخر - هالك - عبد الملك بن حبيب ومحمد بن عمر - هو الواقدي مذكور بالكذب - وعبد الرحمن بن محمد - مجهول لا يعرف - ومرسل أيضا ، والثالث مرسل أيضا ، والذي من طريق فيه عمر - وهو هالك - الحجاج بن أرطاة - مجهول - وشيخ من وخالد بن محمد بني كنانة - والآخر فيه إسماعيل بن عبيد الله ولا أعرفه .
وخبر مرسل - ثم لو صح كل ما ذكرنا لكان حجة لنا وغير مخالف ` لقولنا ، لأن شروط المسلمين هي الشروط التي أباحها الله لهم ، لا التي نهاهم عنها ، وأما التي نهوا عنها فليست شروط المسلمين . علي
وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن { } وأنه لا يصح لمن اشترطه - : فصح أن كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فباطل ، فليس هو من شروط المسلمين ، فصح قولنا بيقين . كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، وإن كانت مائة شرط ، أو اشترط مائة مرة
ثم إن الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، أشد الناس اضطرابا وتناقضا في ذلك ; لأنهم يجيزون شروطا ويمنعون شروطا كلها سواء في أنها باطل ليست في كتاب الله عز وجل ، ويجيزون شروطا ويمنعون شروطا كلها سواء في أنها حق ; لأنها في كتاب الله تعالى .
فالحنفيون ، والشافعيون يمنعون اشتراط المبتاع مال العبد ، وثمرة النخل المؤبر ، ولا يجيزون له ذلك ألبتة إلا بالشراء على حكم البيوع .
والمالكيون ، والحنفيون ، والشافعيون : لا يجيزون البيع إلى الميسرة ، ولا شرط قول : [ ص: 324 ] لا خلابة ، عند البيع ، وكلاهما في كتاب الله عز وجل ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما ، وينسون ههنا " المسلمون عند شروطهم " .
وكلهم يجيز ، وهو شرط ليس في كتاب الله تعالى ، بل قد صح النهي عن هذا البيع جملة ، ومثل هذا كثير . بيع الثمرة التي لم يبد صلاحها بشرط القطع
قال : ولا يخلو كل شرط اشترط في بيع أو غيره من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها - : أبو محمد
إما إباحة مال لم يجب في العقد ، وإما إيجاب عمل ، وإما المنع من عمل ، والعمل يكون بالبشرة ، أو بالمال فقط - وكل ذلك حرام بالنص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . إن دماءكم وأموالكم وأبشاركم عليكم حرام
وأما المنع من العمل فإن الله تعالى يقول : { لم تحرم ما أحل الله لك } .
فصح بطلان كل شرط جملة إلا شرطا جاء النص من القرآن أو السنة بإباحته - وههنا أخبار نذكرها ، ونبينها - إن شاء الله تعالى - لئلا يعترض بها جاهل أو مشغب .
حدثني محمد بن إسماعيل العذري القاضي بسرقسطة أنا محمد بن علي الرازي المطوعي نا أنا محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري جعفر بن محمد الخلدي أنا عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير أنا محمد بن سليمان الذهلي أنا عبد الوارث - هو ابن سعيد التنوري - قدمت مكة فوجدت بها ، أبا حنيفة ، وابن أبي ليلى ، فسألت وابن شبرمة عمن أبا حنيفة ؟ فقال : البيع باطل والشرط باطل ثم سألت باع بيعا واشترط شرطا عن ذلك ؟ فقال البيع جائز والشرط باطل ثم سألت ابن أبي ليلى عن ذلك ؟ فقال : البيع جائز والشرط جائز ؟ فرجعت إلى ابن شبرمة فأخبرته بما قالا ؟ فقال : لا أدري ما قالا - حدثنا أبي حنيفة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمرو بن شعيب } البيع باطل والشرط باطل ؟ [ ص: 325 ] فأتيت نهى عن بيع وشرط فأخبرته بما قالا ؟ فقال : لا أدري ما قالا - حدثنا ابن أبي ليلى عن أبيه عن هشام بن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { عائشة أم المؤمنين بريرة واشترطي لهم الولاء } البيع جائز والشرط باطل فأتيت اشتري فأخبرته بما قالا ؟ فقال : لا أدري ما قالا ؟ أنا ابن شبرمة عن مسعر بن كدام عن محارب بن دثار { جابر بن عبد الله المدينة } البيع جائز والشرط جائز . أنه باع من رسول الله صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره إلى
وههنا خبر رابع - : رويناه من طريق أحمد بن شعيب أنا زياد بن أيوب أنا ابن علية نا أنا أيوب السختياني حدثني أبي عن أبيه عن أبيه حتى ذكر عمرو بن شعيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عبد الله بن عمرو بن العاص } . لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن
وبه يأخذ فيبطل أحمد بن حنبل ، ويجيزه إذا كان فيه شرط واحد - وذهب البيع إذا كان فيه شرطان إلى الأخذ بهذه الأحاديث كلها فقال : إن أبو ثور ، أو دهره كله أو خدمة العبد كذلك ، أو ركوب الدابة كذلك ، أو لباس الثوب كذلك : جاز البيع والشرط ; لأن الأصل له ، والمنافع له ، فباع ما شاء وأمسك ما شاء ، وكل بيع اشترط فيه ما يحدث في ملك المشتري فالبيع جائز والشرط باطل ، كالولاء ونحوه ، وكل اشترط البائع بعض ملكه كسكنى الدار مدة مسماة فالبيع والشرط باطلان معا . بيع اشترط فيه عمل أو مال على البائع أو عمل المشتري
قال : هذا خطأ من أبو محمد ، لأن منافع ما باع البائع من دار ، أو عبد ، أو دابة ، أو ثوب ، أو غير ذلك ، فإنما هي له ما دام كل ذلك في ملكه ، فإذا خرج عن ملكه فمن الباطل والمحال أن يملك ما لم يخلقه الله تعالى بعد ، من منافع ما باع ، فإذا أحدثها [ ص: 326 ] الله تعالى ، فإنما أحدثها الله تعالى في ملك غيره ، فهي ملك لمن حدثت [ عنده ] في ملكه - فبطل توجيه أبي ثور ، وكذلك باقي تقسيمه ; لأنه دعوى بلا برهان . أبي ثور
وأما قول : فخطأ أيضا : لأن تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرطين في بيع ليس مبيحا لشرط واحد ولا محرما له ، لكنه مسكوت عنه في هذا الخبر ، فوجب طلب حكمه في غيره ، فوجدنا قوله صلى الله عليه وسلم { أحمد } . كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل
فبطل الشرط الواحد ، وكل ما لم يعقد إلا به - وبالله تعالى التوفيق .
وبقي حديث بريرة ، في الجمل ، فنقول - وبالله تعالى التوفيق . وجابر
إننا روينا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات نا محمد بن أحمد بن مفرج أنا عبد الله بن جعفر بن الورد أنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف أنا أنا يحيى بن بكير عن الليث بن سعد عن هشام بن عروة عروة عن { قالت جاءتني عائشة بريرة فقالت : كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني ؟ فقالت : إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة ، ويكون لي ولاؤك فعلت ؟ فعرضتها عليهم ، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، فسألها ، فأخبرته ، فقال : خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية في الناس ، فحمد الله عز وجل ، ثم قال : ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل ، ما [ ص: 327 ] كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل - وإن كان مائة شرط - قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق عائشة } وذكر باقي الخبر " .