الفصل الأول
ركن المقال
"وهـو صيغـة الخـطاب وأداؤه؛ من حيث هو نسيج من الألفاظ المنطوقة أو المكتوبة، أو ما يقوم مقامها من الإشارات ونحوها".
وله في كتب الأقـدمين مرادفـات، عـدة فحيـنما يتحدثون عن دلالة ما مستوحاة من "لفظ خطاب" معين، فإنهم يقولون: دل هذا المقال على كذا.. أو دل نظم الكلام، أو سبكه، أو درجه، أو تركيبه، أو أسلوبه.. ويقصدون بكل ذلك سياق اللفظ.
إلا أن هـذه المصـطـلـحات ليست على وزان واحد في عموم الدلالة أو تخصصها، ولا في عمقها أو اتساعها، ولا في وضوحها أو ضبابيتها..
إذ في حين يحيلنا مصطلح "الدرج" على دلالة المفاهيم، وما يؤخذ من ظلال الخطاب، ومن بين سطوره، ومن وراء كلماته.. يحيلنا مصطلح "السبك" عـلى مـؤشر الجمالية والتماسك في الخطاب، أكثر مما يحيلنا على معانيه..
وفي حين يشدنا مصطلح "التركيب" إلى العلاقات النحوية من حيث: الإسناد، والأدوات، والرتبة، والارتباط، والإخراج، والتبعية.. يأخذنا مصطلح "الأسلوب" إلى القوالب البلاغية للخطاب؛ حقيقتها، ومجازها، وخبرها [ ص: 42 ] وإنشائها، وتقريرها وتوكيدها، واستفهامها وتعجبها.. طباقها ومقابلتها، وجناسها وتوريتها وإرصادها، وسجعها وإرسالها..
وفي حين يحيلنا مصطلح "النظم" على كل ما سبق ويضيف إليه الخصائص؛ المعجمية، والصرفية، والصوتية المتأصلة [1] .. يبقى مصطلح "المقال" عائم الدلالة سطحيها، ليس له إيحـاء زائد على ما يدل عليه لفظ: "كلام".
ولحيادية لفظ "المقال" هذه وشموله لكل الألفاظ الأخرى على السوية اخترناه عنوانا لهذا الركن، يساعدنا في ذلك شيوع استخدامه فيه في كل المراحل الزمنية والتخصصات المعرفية الإسلامية.
ويعتبر "المقال" ركن البدء في آلية السياق؛ وفيه عنصران كبيران: صيغة اللفظ، وصيغة الأداء، أو لنقل "نظم الخطاب" و"أسلوب الخطاب"، وسنفرد لكل واحد منهما مبحثا خاصا. [ ص: 43 ]