الهدف الثاني: الاستفادة من تجارب الآخرين:
إن المسلمين اليوم في أمس الحاجة إلى مشروع لنهضتهم واستعادة ريادتهم، ويتوقف تحقيق ذلك وتحصيله على العودة الصادقة إلى الإسلام، والرجوع إلى تعاليمه، وأخذ أسباب القوة، ومراعاة سنن الله في الكون، وامتلاك الشروط الضرورية للنهضة والتنمية والتحضر، وتسخير جميع الأسباب الذاتية والموضوعية، مما يحقق الرفعة والسيادة في جميع مجالات الحياة.
ومن أسباب القوة: الاستفادة من تجارب الآخرين، إذ ليس كل ما لدى غير المسلمين مخالف للإسلام، فهناك من الخبرات الجيدة الشيء الكثير والتي يمكن للمسلمين الاستفادة منها في بعض شؤون حياتهم.
ويمكن القول: إن "الاستفادة من الخبرات الأجنبية في إطارها العام سنة من سنن الله تعالى في الوجود، لتنمو العلوم وتزدهر المعارف والفنون الإنسانية، فيتحقق للإنسان وسائل العيش المتنوعة المعينة له على تنظيم حياته وسبر أغوار ما يحتاجه من شؤونها المتعددة" [1] .
والاستفـادة من الخبرات الأجنبية، التي تتفق مع القواعد الإسلامية تساعد على: "التعرف على مكامن الخير وأصوله في المجتمعات لتنميته والاستفادة من ذلك" [2] . [ ص: 55 ]
والبصـير، من يعمـل على "امتصـاص المعـارف والعـلوم الحقة، التي سبقـه إليهـا الكادحـون في قرنه أو في القرون الأولى، ويعمل على تقليدهم فيمـا توصلوا إليـه من فضـائل وخـيرات حسـان، وذلك بعد تمـحيصها والتبـصـر فيها، ونقدها نقدا فكريا وتجريبيا. ومثلهم في ذلك كمثل تجار الجـواهر، الذين تتجمع لـديهم أكوام من كنـوز الـبر والبـحر، وهذه الأكوام قد عمل في جمعها واكتشافها ألوف مؤلفة من الغواصين والمنقبين الكادحين، فيضعـون هـذه الأكوام ويمتحنونـها حبة فحبة، فما وجـدوه منهـا جـوهرا شـريـفا حرصـوا عليه واشتـروه، ومـا وجـدوه منهـا خسيـسا وضيـعا نفوه ورفضوه وتركوه لصاحبه" [3] .
ويعتبر امتلاك شروط التقنية العلمية والاكتفاء الاقتصادي الغذائي، وتقدم المسلمين في جميع المجالات الحياتية، وغير ذلك، من قبيل المقاصد المقررة والمأمـولة فـي واقـع الحياـة المعـاصرة، وهـو لن يحـصـل بمجـرد التمني والتحلي - فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة - ولكن يصير واقعا ملموسا إذا تهيأت النفـوس، وعـزمت الإرادات، وكدحـت الأجيـال في الاقتباس من غيرهم، انتقاء واختيارا وتمحيصا ونقدا، وتمييزا بين الغث والسمين، والصالح والطالح، والنافع والضار. [ ص: 56 ]