الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

تكامل الحضارات بين الإشكاليات والإمكانيات

الأستاذ الدكتور / عطا محمد حسن زهرة

أ- دلالة اصطلاح التكامل:

لابد بداية من التذكير بأنه تترتب على التعدد الحضاري، وما يرتبط به من فوارق أساسية في طبيعة الحضارات، واختلافات في المفردات والمفاهيم الخاصة بمعظم جوانب الحياة، إن لم يكن بجميعها. ويظهر ذلك بوضوح بالإشارة إلى دلالة اصطلاح التكامل الدولي في الغرب وعند العرب على سبيل المثال.

لقد استخدم الغرب مصطلح التكامل الدولي بمعنى الاندماج "Integration"، في إطـار الحضـارة الواحـدة، أي دخول عدة عناصر أو وحدات في بوتقة واحدة، بحيث تتراجع الخصائص المميزة لها دون أن تختفي كما يحدث في حالة الوحدة "Unity". وتقترب دلالة المصطلح الأول من هذا المعنى في الجانب السياسي مع بروز واحدة أو أكثر من القوى [ ص: 36 ] السياسية، في سياق دور متميز تقوم به وفقا لقدراتها وإمكاناتها، والاتحاد الأوروبي يقدم المثال على ذلك.

ولكن فيما يتعلق بالعلاقة بين الأمم جرى التركيز على الحوار بين الحضارات، كمدخل للقضاء على الخصوصيات الذاتية، و تشكيل ثقافة تطغى على غـيرها من الثقـافات الأخـرى. وفي ضـوء ذلك شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين حالة من التمدد الثقافي الغربي، ومحاولة التأثير في مواقع الثقافات الأخرى بحيث تبدو الثقافة الغربية وكأنها هي الوحيدة الحية والفاعلة [1] .

أما العرب فلم يعرفوا هذا المصطلح في علاقاتهم مع بعضهم البعض، وكان الحديث يجري خلال القرن الماضي عن الوحدة العربية، ثم ما لبث أن تراجع لتحل محله تعبيرات تشير إلى درجة من التعاون مثل العمل العربي المشترك ووحدة الصف العرب يوما شابه ذلك من المصطلحات، في إطار منظمة جامعة الدول العربية.

ثم طرح مصطلـح التـكامل الحضاري بشكل محدود للغاية، للإشارة إلى مستـوى رفيع من التفاعـل الإيجابي بين أكثر من حضارة واحدة، بحيث تقوم كل منها بدورها في تقدم البشرية دون أي إقصاء. وفي هذا [ ص: 37 ] السياق يمـكن البحث في مجـالات التفـاهم أو التعاون دون أن يكون هناك مجال للحديث عن الصدام، إذ لا مجال للتفاعل السلبي، الذي يجد تعبيراته في الصراع [2] .

وبهذا التحديد يكون لكل أمة، في سياق عملية البناء الحضاري العام، إضافاتها الخاصة بها. كما يكون لها بطبيعة الحال أداء قيمي يعكس منهجها وسلوكها. وفي هذا الجانب تبرز سمات الأمة على نحو يفوق أي شيء آخر، فتظهر هويتها، وطبيعة تأثيرها الحضاري في الحياة الإنسانية عموما. ولذلك يرى العرب أن الهدف الحقيقي من وراء الحوار، على سبيل المثال، هو دفع الأمم والشعوب إلى احترام خصوصية كل واحدة منها والتمهيد لقبولها رغم الاختلاف معها.

التالي السابق


الخدمات العلمية