- المطلب الثالث: تقديم المصلحة العامة للأمة:
يسير الكثير في طريق الإصلاح مراعاة للمصلحة العامة للأمة، فكل يحمل هم أمته، ويشارك في الإصلاح رفعا لرايتها، وإعلاء لشأنها، ووضعا لها في مكانتها اللائقة.
"وتتفاوت همم الناس في مصارف الجاه، وأصغرهم همة من يستخدمه في منافعه الخاصة، ولا يوجهه إلى قضاء المصالح العامة، وقد دلنا التاريخ على أن كثيرا من زعماء الإسلام وعلمائه يدوسون منافعهم الخاصة بأقدامهم، وإذا وجدوا موضـعا لنفوذ الكلمة لم يذكروا إلا مصـلحة عامة أو مصالح أشخاص يبتغون من السعي لها رضا الله في الدنيا والآخرة" [1] .
فالمصلحة هي المصلحة العامة للأمة، والتي يجند المصلحون في سبيلها كل إمكاناتهم وطاقاتهم، ولا يقبلون على الإطلاق أن تهدر الطاقات في الهموم [ ص: 175 ] الشخصية، والمنافع الخاصة، فإن تعارضت مصالح أمتهم مع مصالحهم الخاصة قدموا مصالح الأمة، يقينا أن مصلحتهم في تقديم المصالح العامة، والعناية بها.
فالمصلحون يغارون على المصالح العامة للأمة، ويألمون كل الألم إن نال الأمة سوء أو ضربت في أحد مراكزها، أو وصل العدو إلى مقدراتها، فإن القلوب تعتصر ألما، وإن المصلحين لا يهدأ لهم بال، ولا يقر لهم قرار حتى تعود الأمة إلى ريادتها وسيادتها.
يقول، رحمه الله: "وكذلك الغيرة على الحقائق والمصالح تكون على قدر تفاضلها فيما يترتب عليها من العواقب.
فالغيرة الصادقة أن يتألم الرجل من الجهل على مقام الإلهية أو الرسالة العظمى أشد مما يتألم للطعن في نفسه أو في أخ له أو صديق، ويتألم لهدم مسجد أو إلغاء مدرسة أشد مما يتألم لهدم بيت أو إهمال حديقة.
بعيد من الغـيرة عن الحقـائق ذلك الذي يسمـع سوء القول في الله أو في رسوله فـلا يجد في نفسه لسماع هذا السفه أثرا، وإذا مس جانب من يتصل به نسبا أو يمد له من متاع هـذه الحياة سببا، هاج غضبه وارتعدت فرائصه" [2] .
فمقياس عظمة المصلحـين كم الآلام، التي يجدونها إن نال الأمة سوء، أو عند تعامل البعض مع القيم باستخفاف واستهزاء، فحب الدين يدعوهم إلى الوقوف على الفور أمام المنكر والتصدي السريع للفساد والمفسدين. [ ص: 176 ]