المطلب الخامس: أهم الأحكام المتعلقة بفقه الدعوة:
قرر الجويني في أثناء بحثه لفقه الدعوة والجهاد بعض المسائل التي تتعلق بهذا الباب، وهي على الجملة أربع مسائل:
المسألة الأولى: الحكم بالظاهر:
يرى الجويني أن الكفار - وهم في ساحة المعركة - إذا نطقوا بالشهادتين، فإنه "يحكم بإسلامهم، وإن تحققنا أنهم لم يلهموا الهداية لدين [ ص: 164 ] الحق الآن" [1] . ويستدل لهذا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث إنه صلى الله عليه وسلم كان يداري المنافقين، مع علمه القطعي بنفاقهم.
المسألة الثانية: مدة مهادنة الكفار:
إذا استشـعر الإمـام من المسـلمين ضعفا، ورأى من المصلحة مهادنة الكفار، كان له أن يفعل ذلك، لكن المهادنة ينبغي أن لا تتجاوز مدتها عشر سنين. يقول الجويني في هذه المسألة: "ولو استشعر من رجال المسلمين ضعفا، ورأى أن يهادن الكفار عشر سنيـن، سـاغ ذلك" [2] . ولم يبين الجويني مستند ذلك. والظاهر أنه استند في تحديد مدة المهادنة إلى ما جرى في صلح الحديبية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبرم مع قريش صلحا لعشر سنين.
المسألة الثالثة: حكم من بلغته الدعوة ولم يعلم بتفاصيل الشريعة:
يفترض الجويني صورة حاصلها، أنه إذا بلغت الدعوة طائفة من الناس، فاعترفوا بالوحدانية والنبوة، غير أنهم لم يقفوا على شيء من أصول الأحكام، ولم يتمكنوا من الوصول أو الاتصال بعلماء الشريعة، مع استفراغ الوسع في ذلك، فإنه لا يلزمهم شيء من التكاليف الشرعية. [ ص: 165 ]
ويعلل ذلك بأن العقل لا يقتضي تحريما ولا تحليلا، والطريق إلى معرفة الحلال والحرام إنما هو الشرع، و"الزمان إذا فرض خاليا عن التفاريع والتفاصيل، لم يستند أهل الزمان إلا إلى مقطوع به"؛ لأن التكليف لا يكون إلا عن دليل شرعي، فإذا عدم الدليل فلا تكليف، ولم يلزمهم إلا "اعتقاد التوحيد، ونبوة النبي المبتعث، وتوطين النفس على التوصل إليه في مستقبل الزمان، مهما صادفوا أسباب الإمكان" [3] .
المسألة الرابعة: حكم المرتد:
تعرض الجويني باقتضاب شديد لمسألة الردة وحكم المرتد؛ وأجمل القول في المسألة على النحو التالي: "فإن قيل: بم يزع من يزيغ عن المنهج المستقيم والدين القويم؟ قلنا: إن كان ما انتحله ذلك الزائغ النابغ ردة استتابه، فإن أبى واستقر وأصر، تقدم بضرب رقبته" [4] .
تلك هي أهم القضايا التي أصلها الجويني في باب الدعوة، وقد جاءت في سياق تقريره لأبحاث فقه السياسة الشرعية عموما، وأبحاث فقه الإمامة على وجه الخصوص. [ ص: 166 ]