5- التربية بالترويح:
يحتاج الصغير إلى اللعب والمرح والترويح أكثر من حاجته إليها وهو كبير، ويميل الصغار في أول سني عمرهم إلى اللعب بالألعاب المتنوعة، وهذه الألعاب من أحسن المجالات الترويحية التي يتعلم الطفل من خلالها، وهو وسيلة إلى الاكتشاف والمعرفة، وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحاجة عند الصغار، وقد بدأ ذلك جليا في معاملته مع عائشة ، رضي الله عنها، التي تزوجها وهي ابنة تسع سنين.
روت السيدة عائشة، رضي الله عنها، قالت: ( كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي ) [1] .
وروت أيضا: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ، أو خيبر ، وفي سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي! ورأى بينهن فرسا له جناحان من [ ص: 115 ] رقاع فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن، قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان، قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه ) [2] . فيحسن بالوالدين توفير بعض الألعاب المنـزلية ليحفظوا الأولاد عن الشارع وخاصة تلك الألعاب التي تعتمد على استثارة الذكاء وعلى إيجابية ممارسيها، وحبذا توفير مكان خاص للعب يستمتع فيه الأطفال، وحبذا مشاركتهم باللعب، والقص عليهم بعض القصص المسلية التي نتخذها طريقا للتربية وكسب المعلومات.
ومما يحتاج إلى عناية فائقة من الأمة المسلمة عامة والأسرة خاصة مراقبة ألعاب الأطفال بحيث تغرز فيهم قيم الانتماء إلى الأمة والاعتزاز بالدين الحنيف، ومما يؤسف له أن الكثير من ألعاب الأطفال اليوم ليس من شأنها تعزيز الانتماء واحترام الشخصية الحضارية حتى في أبسط الأمور، فالدمية التي يلعب بها الطفل المسلم تصاغ على الهيئة الأوروبية، العيون الزرقاء والشعر الأصفر مما يرسخ في الطفل المسلم مشاعر الانبهار بهذا الأنموذج [3] .
وقد أكدت السنة المطهرة مبدأ الترويح في حياة المسلم، وأنه حق من حقوق الجسم، على الإنسان أن يأخذه بعين الاعتبار وهو يقطع مشوار حياتـه الدنيا، ويوجد العديد من الآثار التي تؤكد مراعاة الإسلام لمبدأ الترويح في [ ص: 116 ] حياة المسلم، ومن ذلك الأثر الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: روحوا القلوب ساعة بساعة [4] . لما للترويح من أهداف تربوية سامية منها:
1- تربية أفراد المجتمع المسلم على الجد.
2- التودد إلى أفراد المجتمع المسلم وتحبيبهم في الإسلام.
3- العمل على تحقيق الترابط الأسري وتقويته.
4- إعداد الإنسان المؤمن القوي بدنيا ونفسيا واجتماعيا.
5- إظهار الفسحة في الدين وإبراز محاسن الإسلام وسماحته وتيسيره وحرصه على مراعاة النفس وحاجاتها، ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند أن عائشة ، رضي الله عنها، قالت: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة ) [5] .
6- إزالة ما قد يعتري المسلم من هم وغم في هذه الحياة الدنيا.
ومما يؤكد خيرية الهدف من وراء مزاولة الترويح في عصر الصحابة أنه لم ينقل وقوع اختلاف أو تشاحن بينهم بعد أو في أثناء الممارسات الترويحية التي يقومون بها [6] .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظم مسابقات بالأقدام بين الأطفال، ففي الحديث ( أن عبد الله بن الحارث ، رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف [ ص: 117 ] عبد الله وعبيد الله وكثيرا من بني العباس ثم يقول: من سبق إلي فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم ) [7] .
فالأطفال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يلعبون ألعابهم الصغيرة حسب إمكانياتهم، وكان الكبار بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة يشاركونهم أحيانا ويراقبونهم أحيانا أخرى، وكانت عائشة ، رضي الله عنها، تحث الصحابة على أن يراعوا حاجات الأطفال أو النساء حيث تقول مخاطبة الصحابة: "فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو" [8] .
إذن نرى أن الإسلام اتخذ منذ فجر ظهوره من الترويح موقفا إيجابيا تربويا، حيث دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التمتع بالنشاط الترويحي، يقول عليه الصلاة والسلام: روحوا القلوب ساعة بساعة.
والجانب الترويحي في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مشرق ومضيء كبقية جوانب حياته، فقد كان متسابقا ومتنافسا ومشرعا وحكما رياضيا.
فالترويح في الإسلام وسيلة اجتماعية تربوية، حيث يتجدد نشاط الطفل وحيويته، كما يتم إشباع حاجاته البدنية والنفسية والعقلية والروحية بما يتوافق مع العقيدة السمحة [9] ، ولا يتم ذلك إلا بدور المنـزل؛ والمنـزل له آثاره التربوية الترويحية الخاصة به، فهو العامل الوحيد للحضانة والتربية [ ص: 118 ] المقصودة في المراحل الأولى للطفولة، ولا تستطيع أية مؤسسة عامة أن تسد مسد المنـزل إلا تدارك الحالات التي يحرم فيها الطفل من الأسرة، فيكون دور الحضانة أو الكفالة التي تنشئها الدولة والهيئات لإيواء الأطفال.
وعلى المنـزل يقع قسط كبير من واجب التربية في جميع مراحل الطفولة [10] .
فيجب الاهتمام بالترويح التربوي الإسلامي، الذي اهتم به صلى الله عليه وسلم خير مرب للإنسان، لما يقدمه من خدمة مهمة وجليلة للتربية والتعليم في المجتمع الإسلامي عن طريق تنمية الأفراد ووقايته لهم من العديد من الأمراض، بل وعلاجه للعديد من المشكلات الفردية والاجتماعية.
فالأبناء اليوم وفي ظل هذه الأحداث الجارية التي تمر بها الأمة الإسلامية بأمس الحاجة إلى آباء عقلاء ومربين أمناء يدركون استغلال قوتهم في الخير، وإن لم تجد هذه القوى وتلك الطاقات عناية من الوالدين والمربين وتوجيها من الناصحين فإنها ستكون عامـل هـدم ومعول فساد في المجتمع، بحيث لا يئويهم إلا الأرصفة والممرات والاستراحات والجلسات، وربما تكون تلك اللقاءات مدارس شيطانية لهم تعلمهم كل أنواع الشهوات والشبهات وكل بذيء من القول وقبيح من الفعل، فيصبحون في مرحلة الشباب، التي هي من أخطر المراحل في حياة الإنسان، فهي مرحلة قوة بين ضعفين، [ ص: 119 ] ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، فلذا علينا أن نحرص على بناء الجوانب الشخصية لدى الأبناء بحيث تصبح شخصية متكاملة [11] .
إذا الدور الترويحي يعد من أهـم أدوار الأسـرة بالنسبة للطفـولة، لأنه بطريق الأنشطة الترويحية يكتسـب الطفل السلوك المقبول اجتماعيا، كما يعرف السلوك غير المقبول، ويتعلم أيضا: متى يلعب وكيف ومع من وكيف يرجئ رغباته وكيف يشبعها.
فالترويح التربوي يقوم بدور تربوي مؤثر في تنمية شخصيات الأبناء عن طريق الأنشطـة الترويحـية، فمن خلاله يتعلم الأطفـال دروسا في المسئولية وتقدير الآخرين وتدعم لديهم اتجاهات مرغوبة من وجهة نظر الثقافة والمجتمع.
فالترويح، إضافة إلى عائده الإنمائي على شخصيات أفراد الأسرة، له أيضا وظيفة في دعم قيم الثقافة وتعزيز أدوارها [12] .