الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

الإسلام وهموم الناس

أحمد عبادي

الثـاني : الفـرقـة

الأمة اليوم أجزاء ومزع، تمزقها الحدود، والفوارق المصطنعة، والمشاكل المختلفة، وإنها لأخاديد يحرس على تعميقها، يوما بعد يوم، وتوضع البرامج والتخطيطات، وترصد أجهزة التنفيذ والمتابعة، من أجل تحقيق هـذا التعميق، وما اتفاقية (سايكس بيكو) وما تلاها، منا ببعيد.

إن واقع التفتيت، الذي تعيشه الأمة، لم يحل بساحنا اتفاقا، وإنما هـو واقع، تم التفكير في إحلاله، واتخذت التدابير اللازمة لذلك، ومنذ وقت مبكر، يمكن إرجاعه، إلى القرن السادس عشر، حين بدأ البرتغالي ( هـنري الملاح ) ، أبحاثه في قلعته الشهيرة، عن كيفية أكل الكتف الإسلامية، ثم تلت ذلك اتفاقيات (طورتوزلاس) ، بين البرتغال ، وإسبانيا ، من أجل [ ص: 136 ] الإحاطة بالعالم الإسلامي، قصد إضعافه، وتجريده من ميزة التفرد، باحتواء الطريق التجارية، الواصلة بين المشرق والمغرب، بتجاوزه، والمرور على طريق، رأس الرجاء الصالح.. ثم تلت ذلك الاتفاقيات المتعددة، بين روسيا ، وفرنسا ، والنمسا ، وإنجلترا ... إلى أن جاء الاستعمار الحديث، الذي تمكن، بشكل شبه كلي، من العالم الإسلامي، فقسمه حسبما يراه ضامنا لمصالحه، وأقام وسائل استمرار ذلك.

ولئن كان مالك بن نبي -رحمه الله- قد تحدث عن القابلية للاستعمار، فإنه يحق لنا، بصدد تحليلنا لظاهرة الفرقة، في الأمة الإسلامية، أن نتحدث عن القابلية للفرقة.. فكما للفرقة في أمتنا، أسباب موضوعية، فإن لها -وهي الأسبق- أسبابا ذاتية، وهي التي بملكنا السعي إلى رفعها ابتداء.

إن ما حدث في العالم الإسلامي، من تمزيع، وتفريق، من لدن الغرب، لم يكن سوى تثمير لخميرة الفرقة، التي وجدت في الأمة، من جراء، ترهل شبكة العلاقات الاجتماعية، التي كان سداها،ولحمتها، التوجيهات، والأخلاق، والقيم الإسلامية.

وفي الصفحات الآتية، سوف نحاول وضع اليد، على بعض أسباب الفرقة في أمتنا، مكتفين في ذلك بلفت النظر إليها، مع بعض تفصيل، لا يتسع المقام لأكثر منه، ولانحتاج هـهنا، إلى التذكير، بأن أمة تنهش كيانها الفرقة، يستحيل فيها، تبني أفرادها، ومؤسساتها، هـموم بعضهم بعضا، بالشكل المطلوب. [ ص: 137 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية