الفصل الثالث
أنواع الحقوق
قدم المفكرون الغربيون تقسيمات مختلفة للحرية. فقد قسم " أيزمان " الحريات إلى: حرية فردية مادية، وتشمل: سلامة البدن، وحق الأمن، والملكية، والتجارة، والصناعة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات. وحرية معنوية، تشمل: حرية العقيدة، والآراء، والاجتماع، والصحافة، والتعليم، وتكوين الجمعيات. أما " هـوريو " فقد قسم الحريات إلى ثلاثة أقسام تشمل الأولى: حرمة الحياة الخاصة، وتتضمن حرية البدن، وحق الأمن، والتنقل، والعمل. أما الثانية فتتعلق بالحريات الروحية، ومنها حرية التعليم، والصحافة، والاجتماع. في حين تتضمن الثالثة حرية تأليف الجمعيات، والنقابات، والشركات، وتكوين الطوائف. وقد فرق " دوجي "، من ناحية أخرى، بين ما أسماه بالحريات السالبة، وهي تشكل قيودا على الدولة وبين الحريات الإيجابية، وهي التي تتضمن خدمات الدولة للمواطنين، وقد نحا "جلينك" نفس المنحى بالتفرقة بين حقوق الأفراد ذات العنصر النشط، والتي تشمل حق المرء في سؤال دولته تقديم خدمات إيجابية له، وحقوق الأفراد ذات العنصر السلبي، والتي تشمل: الحريات الفردية المقيدة لسلطة الدولة. كما قسم " بلانتي " الحريات إلى: حريات فردية، وتشمل حرية الحياة الخاصة، وحرية العقيدة، والرأي، وحق العمل.. وحرية جماعية، وتشمل: حق المشاركة، وتكوين الأحزاب، والنقابات
[1] [ ص: 43 ]
ولقد كانت الحقوق في مضمونها "التقليدي"، كالمساواة، والحرية الشخصية، وحرية العقيدة، والاجتماع وغيرها، تكتفي بإبراز الجانب السلبي، المتمثل في امتناع الدولة عن الإتيان بعمل يمس حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولكن ذلك لم يشمل مطالبة الدولة بضمان حق التعليم، أو العمل، أو الملكية، أو غيرها من الحقوق. ولذلك لم تراع الدول الغربية في السابق حقوق المواطن كعضو في جماعة، وما يترتب على ذلك من توفير ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية، التي تكفل تكامل الجماعة، وإنما اكتفت بإقرار حقوق للفرد كفرد لا ككائن اجتماعي. ولكن ضغط التيارات الاشتراكية، المطالبة بتدخل الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية، دفع الدول الرأسمالية نحو إقرار عدد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي فرضت تدخل الدولة لضمان حق العمل، وتكوين النقابات، والضمان الاجتماعي، وحق التعليم، وغيرها من الحقوق، وذلك بهدف تحسين الأوضاع الداخلية ومقاومة الفكر الشيوعي [2]
. وقد أدى ذلك إلى مزج تقييد سلطان الدولة بمبدأ الإصلاحات الاجتماعية، حتى أصبحت الدولة تتدخل لضمان حقوق الفرد التقليدية والاقتصادية.
وتختلف نظرة الكتاب حول مكانة الحرية وأولوياتها في الدولة، فبعضهم يرى التركيز على الحرية الشخصية، واعتبارها قاعدة الحريات في المجتمع، في حين يبرز آخرون الحرية الاقتصادية، مرتكزين في ذلك على المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية، التي انبثق عنها المذهب الحر المنادي بالحد من سلطة الدولة. كما أعطى بعضهم الآخر الأولوية للحرية السياسية، أو حرية الرأي السياسي، لما لها من أهمية في خلق الوعي الاجتماعي، ودعم البنية الاجتماعية الداخلية، نتيجة التقويم الدائم [ ص: 44 ] لتصرفات السلطة
[3]
أما بالنسبة للحقوق في التصور الشرعي، فإننا نجد أن الشريعة لم تميز بين أنواع الحقوق بوصفها حقوقا للرجل أو المرأة، أو حقوقا شخصية، أو عقيدية، حيث إن الحقوق في الشريعة، إنما هـي أحكام شرعية، مستنبطة من الكتاب والسنة. ولذلك ليس هـناك فرق بين حق الإنسان في منع التصدي والعدوان والظلم، وحقه في المحاسبة السياسية للحكام، حيث إن كلا منها أمر شرعي، دل عليه الكتاب والسنة. كذلك لا يوجد في الشريعة إهمال لنوع من أنواع الحقوق على حساب نوع آخر، بخلاف ما حصل في التنظيم الغربي القانوني، الذي على سبيل المثال، يسمح بالحرية الاقتصادية دون تحديد وسائل الحيازة، والتي لا تربط بأطر أخلاقية أو دينية، مما ينجم عنه ضياع لحقوق الفرد في ذلك الجانب، وإهدار الكرامة الإنسانية في نهاية الأمر، حيث قد تصبح مراكز الدعارة والربا والقمار وسائل اقتصادية قانونية رغم ما يترتب عليها من فساد.
أما الشريعة، فقد عمدت في تحديدها للحقوق إلى بيان الإطار الشرعي المنظم لوجود الحقوق وفقدانها، فحين يشرب المسلم الخمر مثلا، يترتب عليه فقدان حقه في عدم الإهانة وفي الكرامة. وكذلك أجازت الشريعة الإسلامية في أحوال مخصوصة تقديم حقوق على غيرها، مراعاة لمصلحة شرعية، ولكن دون إهمال للحقوق ابتداء، حيث تقدم حق حفظ الدين في المجتمع الإسلامي على حق الحياة للفرد، ومن هـنا يكون الجهاد واجبا لحماية المسلمين، ولنشر الدعوة الإسلامية حتى لو أدى إلى القتل والقتال؛ ولكن هـذا التقديم التدريجي للحقوق في الشريعة لا يؤدي بحال إلى غض النظر عن الحقوق الأدنى وإهمالها ابتداء، بخلاف ما يظهر في التقنيات الغربية. [ ص: 45 ]