( ب ) انتشار الإسلام في غربي أفريقيا إذا كانت الطلائع الأولى من الصحابة رضوان الله عليهم، لم يتمكنوا من القيام بالدعوة إلى الإسلام في فجر البعثة بأفريقيا، فإن المسلمين [ ص: 48 ] الأوائل عرفوا العالم الأفريقي قبل انتشار الإسلام في القارة الأفريقية. فقد كانت الصلات بين العالمين العربي والأفريقي قديمة وسابقة لظهور الإسلام: فقد كان جزيرة العرب على صلة اقتصادية ودينية وسياسية بشرقي أفريقيا، ولم يكن الحضور الأفريقي مقتصرا على العبيد الذين يجلبون من القارة السوداء، بل كانت للحبشة ارتباطات وثيقة باليمن جنوبي الجزيرة العربية.
لذلك لا يدهشنا اهتمام الإسلام الباكر بأفريقيا باعتباره استمرارا طبيعيا لتلك العلاقات التاريخية وتطورا حتميا لها.
على أن الإسلام اختار ـخلال تقدمه نحو أفريقياـ مسلكين اثنين:
· أولهما مائي: وهو طريق باب المندب المحاذي لساحل شرقي أفريقيا، حين كان المسلمون يعبرون البحر الأحمر للتوجه نحو الصومال والحبشة وزنجبار ... وكان الاتصال بين هـذه المناطق الأفريقية وشبه الجزيرة العربية مباشرة. وتبعا لذلك كان شرقي أفريقيا متأثرا في شؤون دينه بمناطق الخليج العربي، ويتجلى ذلك في انتشار المذاهب الفقهية والطرق الصوفية التي كان يتمذهب بها سكان الجزيرة.
· ثانيهما بري: اتخذه الإسلام للدخول في شمالي وغربي أفريقيا ـوهو بيت القصيدة هـناـ وهو معبر سيناء الذي اختاره عمرو بن العاص رضي الله عنه لفتح مصر، ولما استتب الأمر لجيوش الإسلام بأرض الكنانة تطلعت إلى فتح شمالي أفريقيا، حيث اتجهت صوب برقة فتونس فالجزائر ثم المغرب ، وتراخت الدعوة في شمالي أفريقيا برهة من الزمن بحكم أنها ظلت هـناك بين [ ص: 49 ] مد وجزر، وما أن استقرت في المغرب حتى بدأت تتبلور في جنوبي الصحراء الكبرى [1]