نبذة عن التاريخ السياسي للسنغال ليس القصد هـنا عقد دراسة مستفيضة عن تاريخ السنغال ، بل الهدف إعطاء فكرة عن الشكل السياسي السائد قبل الاحتلال الفرنسي، مما يساعدنا على استيعاب الظروف التي اكتنفت انتشار الإسلام.
على أن تاريخ السنغال مرتبط إلى حد ما بتاريخ بعض الأقطار المجاورة له، مثل: " مالي " التي كانت تسيطر في فترة ما على أجزاء شاسعة من غربي أفريقيا، ومناطق من شرقي وجنوبي السنغال، ولا بد أن يعترف الدارس أنه ما كانت هـناك وحدة سياسية حقيقية بين الأراضي التي يطلق عليها اليوم اسم السنغال، وإنما كانت مقسمة إلى دويلات لا تجمعها إلا صلات واهية، وأهم هـذه الوحدات السياسية هـي:
مملكة " جولوف " [DIOLOF ]
تقع جولوف في الوسط الغربي من السنغال، وتقطنها جماعتا " أولوف " و " بول " ـفلاتةـ وكانت أقاليم عديدة تابعة لها ثم انفصلت عنها بسبب اضطرابات داخلية، وعاصمتها " يانغ - يانغ " [YANG-YANG ] ويحمل ملكها لقب " بوربا " [DOURBA. ].
مملكة " والـو " [WALO ]
وتقع في منطقة الفيضانات ما بين مدينتي " بودور " PODOR و " أندر " N"DAR، وتقطنها جماعة " أولوف " أساسا وكانت عاصمتها " أندير " N"DER.
وقد كان الفرنسيون يدفعون لها إتاوة منذ استقرارهم بمدينة " أندير " سنة 1659م إلى أن تم ضمها إلى المستعمرات الفرنسية عام 1856م. [ ص: 34 ]
مملكة " كاجـور " [DIOR]
وتحتل سهلا واسعا بين المحيط الأطلسي وأقاليم " جولوه " و " سين " و " سالوم " وكانت لامباية [LAmBAYE ] مقر بعض ملوكها.
كانت تسكن هـذه المملكة بصفة أساسية جماعة " أولوف " وكانت مسرحا لمعارك عديدة في القرن التاسع عشر ضد الاستعمار إلى أن سقطت بيده عام 1886م.
فوتا -الإمامة- "fouta - toro"
تقع فوتا على ضفاف نهر السنغال، وتمتاز عن غيرها من المناطق السنغالية بأنها عرفت الإسلام قبل سواها، وقامت فيها أول حكومة إسلامية تطبق شريعة الله تعالى.
فبعد فساد وانحلال نظام " ساتيك " [1] قامت حركة مباركة بقيادة " سليمان بال " و " عبد القادر كان " ، فأطاحت بحكم الاستبداد.
وكان من محاسن نظام الإمامة أنه قام بنشر الإسلام ورعاية المساجد وتشجيع مجالس العلم. ويحسن أن يسجل هـنا بكل اعتزاز ما كتبه أحد المستعمرين المعاصرين للإمامة وهو " بيتيون " [PETION ] بخصوص تحريم أئمة " فوتا " ممارسة النخاسة في مملكتهم باعتبار ذلك منافيا لمبادئ الإسلام " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ " فقد كتب " بيتيون " : " رفض الإمام ـملك بولـ هـدايا الشركة، محرما بيع رعاياه، ومانعا مرور قوافل العبيد " .
وفي الحقيقة حملت " فوتا " أمانة نشر الإسلام في الأقاليم المجاورة [ ص: 35 ] لها، وهي التي أمدت السنغال كذلك بأهم رجالاته الدينية والفكرية منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى الربع الأول من القرن الحالي، أمثال: عمر الفوتي - 1864م، مابا جاخوبا - 1867م، مالك سي - 1822م، أحمد بامبا - 1927م.
ممالك كازا منسا
وتعتبر جماعة " بينونك - [BAINONKE ] ـوهي في طريق الانقراض - أقدم سكان جنوبي السنغال، ومؤسسة مملكة كازامانسا وقد قامت جماعتا " مانديكنكي وجولا " باحتوائها.
أما جماعة " جولا " فلم تشتهر بمؤسسات سياسية منظمة ذات قيمة تاريخية تستحق الذكر، في حين شيدت جماعة " ماندينكي " في إطار إمبراطورية مالي أو خارجها ممالك في " كازامنسا وغامبيا ونياني ونيومي ووولي " وكانت قد جاءت بالإسلام من مالي، وبطول العهد ضعف عندها الوازع الإسلامي، وظهرت لدى أمرائها المعتقدات التقليدية الأرواحية.
والقاسم المشترك لهذه المؤسسات السياسية كلها باستثناء نظام الإمامة في " فوتا تورو " أن صلاحيات ملوكها كانت في الأساس ضيقة ومحدودة، ومع مرور الزمن اتسع نطاقها حتى أصبح نظام طغيان واستبداد ليصل إلى ذروته مع طلوع القرن التاسع عشر.
وهذه الإمارات التي أثبتنا أسماءها ومواقعها نماذج لإمارات أخرى لم نتعرض لها، كما أنها جميعا ـعدا الإمامة في فوتاـ تطغى عليها الأرواحية كدين رسمي كان يتعايش مع الإسلام. [ ص: 36 ]