سمات أدب الاختلاف في عهد الخلافة الراشدة
من خلال استعراضنا لقضايا الاختلاف نلحظ أن الهوى لم يكن مطية أحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأن الخلافات التي أفرزت تلك الآداب لم يكن الدافع إليها غير تحري الحق، وهذا غيض من فيض من معالم أدب الاختلاف بين الصحابة بعد عهد الرسالة وانقطاع الوحي:
1- كانوا يتحاشون الاختلاف، وهم يجدون عنه مندوحة، فهم يحرصون الحرص كله على عدمه.
2- وحين يكون للخلاف أسباب تبرره من مثل وصول سنة في الأمر لأحدهم لم تصل للآخر، أو اختلافهم في فهم النص، أو في لفظة كانوا وقافين عند الحدود يسارعون للاستجابة للحق، والاعتراف بالخطأ دون أي شعور بالغضاضة، كما كانوا شديدي الاحترام لأهل العلم والفضل والفقه منهم، لا يجاوز أحد منهم قدر نفسه، ولا يغمط حق أخيه، وكل منهم يرى أن الرأي مشترك، وأن الحق يمكن أن يكون فيما ذهب إليه، وهذا هـو الراجح عنده، ويمكن أن يكون الحق فيما ذهب إليه أخوه، وذلك هـو المرجوح، ولا مانع يمنع أن يكون ما ظنه راجحا هـو المرجوح، ولا شيء يمنع أن يكون ما ظنه مرجوحا هـو الراجح.
3- كانت أخوة الإسلام بينهم أصلا من أصول الإسلام الهامة التي [ ص: 72 ] لا قيام للإسلام دونها، وهي فوق الخلاف أو الوفاق في المسائل الاجتهادية.
4- لم تكن المسائل الاعتقادية مما يجري فيه الخلاف، فالخلافات لم تكن تتجاوز مسائل الفروع.
5- كان الصحابة رضوان الله عليهم قبل خلافة عثمان رضي الله عنه منحصرين في المدينة ، وقليل منهم في مكة ، لا يغادرون إلا لجهاد ونحوه، ثم يعودون فيسهل اجتماعهم، ويتحقق إجماعهم في كثير من الأمور.
6- كان القراء والفقهاء بارزين ظاهرين كالقيادات السياسية، وكل له مكانته المعروفة التي لا ينازعه فيها منازع، كما أن لكل شهرته في الجانب الفقهي الذي يتقنه، مع وضوح طرائقهم ومناهجهم في الاستنباط وعليها بينهم ما يشبه الاتفاق الضمني.
7- كانت نظرتهم إلى استدراكات بعضهم على بعض أنها معونة يقدمها المستدرك منهم لأخيه وليست عيبا أو نقدا.