[ ص: 124 ] كتاب قطاع الطريق الأصل في حكمهم قول الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } . وهذه الآية في قول وكثير من العلماء ، نزلت في قطاع الطريق من المسلمين . وبه يقول ابن عباس ، مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . وحكي عن وأبو ثور أنه قال : نزلت هذه الآية في المرتدين . وحكي ذلك عن ابن عمر الحسن ، ، وعطاء ; لأن سبب نزولها قصة وعبد الكريم العرنيين ، وكانوا ارتدوا عن الإسلام ، وقتلوا الرعاة ، فاستاقوا إبل الصدقة ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم من جاء بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وألقاهم في الحرة حتى ماتوا . قال : فأنزل الله تعالى في ذلك : { أنس إنما جزاء الذين يحاربون الله } الآية . أخرجه أبو داود ، . ولأن محاربة الله ورسوله إنما تكون من الكفار لا من المسلمين . ولنا قول الله تعالى : { والنسائي إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } . والكفار تقبل توبتهم بعد القدرة ، كما تقبل قبلها ، ويسقط عنهم القتل والقطع في كل حال ، والمحاربة قد تكون من المسلمين ; بدليل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله . }
( 7321 ) مسألة : قال : وجملته أن المحاربين الذين تثبت لهم أحكام المحاربة التي نذكرها بعد ، تعتبر لهم شروط ثلاثة ; أحدها : أن يكون ذلك في الصحراء ، فإن كان ذلك منهم في القرى والأمصار ، فقد توقف ( والمحاربون الذين يعرضون للقوم بالسلاح في الصحراء ، فيغصبونهم المال مجاهرة ) - رحمه الله - فيهم وظاهر كلام أحمد أنهم غير محاربين . وبه قال الخرقي ، أبو حنيفة ، والثوري وإسحاق ; لأن الواجب يسمى حد قطاع الطريق ، وقطع الطريق إنما هو في الصحراء ; ولأن من في المصر يلحق به الغوث غالبا ، فتذهب شوكة المعتدين ، ويكونون مختلسين ، والمختلس ليس بقاطع ، ولا حد عليه .
وقال كثير من أصحابنا : هو قاطع حيث كان . وبه قال الأوزاعي ، ، والليث ، والشافعي ، وأبو يوسف ; لتناول الآية بعمومها كل محارب ; ولأن ذلك إذا وجد في المصر كان أعظم خوفا ، وأكثر ضررا ، فكان بذلك أولى . وأبو ثور
وذكر أن هذا إن كان في المصر ، مثل أن كبسوا دارا ، فكان أهل الدار بحيث لو صاحوا أدركهم الغوث ، فليس هؤلاء بقطاع طريق ; لأنهم في موضع يلحقهم الغوث عادة ، وإن حصروا قرية أو بلدا ففتحوه [ ص: 125 ] وغلبوا على أهله ، أو محلة منفردة ، بحيث لا يدركهم الغوث عادة ، فهم محاربون ; لأنهم لا يلحقهم الغوث ، فأشبه قطاع الطريق في الصحراء . الشرط الثاني : أن يكون معهم سلاح ، فإن لم يكن معهم سلاح ، فهم غير محاربين ; لأنهم لا يمنعون من يقصدهم . ولا نعلم في هذا خلافا . فإن عرضوا بالعصي والحجارة ، فهم محاربون . وبه قال القاضي ، الشافعي . وقال وأبو ثور : ليسوا محاربين ; لأنه لا سلاح معهم . أبو حنيفة
ولنا أن ذلك من جملة السلاح الذي يأتي على النفس والطرف ، فأشبه الحديد . الشرط الثالث : أن يأتوا مجاهرة ، ويأخذوا المال قهرا فأما إن أخذوه مختفين ، فهم سراق ، وإن اختطفوه وهربوا فهم منتهبون ، لا قطع عليهم . وكذلك إن خرج الواحد والاثنان على آخر قافلة ، فاستلبوا منها شيئا ، فليسوا بمحاربين ; لأنهم لا يرجعون إلى منعة وقوة . وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم ، فهم قطاع طريق .