( 6045 ) مسألة ; قال : ( وإذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها أخرجت بالقرعة ) أكثر أصحابنا على أنه إذا أنها تخرج بالقرعة فيثبت حكم الطلاق فيها ويحل له الباقيات وقد روى طلق امرأة من نسائه وأنسيها إسماعيل بن سعيد عن ما يدل على أن القرعة لا تستعمل هاهنا لمعرفة الحل وإنما تستعمل لمعرفة الميراث ، فإنه قال : سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق ؟ قال : أكره أن أقول في الطلاق بالقرعة قلت : أرأيت إن مات هذا ؟ قال : أقول بالقرعة ، وذلك لأنه تصير القرعة على المال وجماعة من روي عنه القرعة في المطلقة المنسية إنما هو في التوريث فأما في الحل فلا ينبغي أن يثبت بالقرعة أحمد
وهذا قول أكثر أهل العلم فالكلام إذن في المسألة في شيئين ; أحدهما في استعمال القرعة في المنسية للتوريث ، والثاني في استعمالها فيها للحل أما الأول فوجهه ما روى عبد الله بن حميد قال : سألت أبا جعفر عن رجل قدم من خراسان وله أربع نسوة قدم البصرة فطلق إحداهن ، ونكح ثم مات لا يدري الشهود أيتهن طلق ؟ فقال : قال رضي الله عنه : أقرع بين الأربع وأنذر منهن واحدة وأقسم بينهن الميراث ولأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة صح استعمالها كالشركاء في القسمة والعبيد في الحرية علي
وأما القرعة في الحل في المنسية فلا يصح استعمالها ; لأنه اشتبهت عليه زوجته فلم تحل له إحداهما بالقرعة كما لو اشتبهت بأجنبية لم يكن له عليها عقد ولأن القرعة لا تزيل التحريم من المطلقة ولا ترفع الطلاق عمن [ ص: 384 ] وقع عليه ولا احتمال كون المطلقة غير من خرجت عليها القرعة ولهذا لو ذكر أن المطلقة غيرها حرمت عليه ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد بالذكر فيجب بقاء التحريم بعد القرعة كما كان قبلها وقد قال في من طلق امرأته فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا ؟ ومن الخرقي : لا تحل له امرأته حتى يعلم أنها ليست التي وقعت عليها اليمين فحرمها مع أن الأصل بقاء النكاح ولم يعارضه يقين التحريم فهاهنا أولى حلف بالطلاق أن لا يأكل تمرة فوقعت في تمر فأكل منه واحدة
وهكذا الحكم في كل موضع وقع الطلاق على امرأة بعينها ثم اشتبهت بغيرها ; مثل أن يرى امرأة في روزنة أو مولية فيقول : أنت طالق ولا يعلم عينها من نسائه ، وكذلك إذا أوقع الطلاق على إحدى نسائه في مسألة الطائر وشبهها ، فإنه يحرم جميع نسائه عليه حتى تتبين المطلقة ويؤخذ بنفقة الجميع ; لأنهن محبوسات عليه ، وإن أقرع بينهن لم تفد القرعة شيئا ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزوج ; لأنه يجوز أن تكون غير المطلقة ولا يحل للزوج غيرها ; لاحتمال أن تكون المطلقة ، وقال أصحابنا : إذا أقرع بينهن ، فخرجت القرعة على إحداهن ثبت حكم الطلاق فيها فحل لها النكاح بعد قضاء عدتها وحل للزوج من سواها كما لو كان الطلاق في واحدة غير معينة
واحتجوا بما ذكرنا من حديث ولأنها مطلقة لم تعلم بعينها فأشبه ما لو قال : إحداكن طالق ولأنه إزالة أحد الملكين المبنيين على التغليب والسراية أشبه العتق والصحيح إن شاء الله أن القرعة لا تدخل هاهنا لما قدمنا وفارق ما قاسوا عليه ، فإن الحق لم يثبت لواحد بعينه فجعل الشرع القرعة معينة ، فإنها تصلح للتعيين وفي مسألتنا ; الطلاق واقع في معينة لا محالة ، والقرعة لا ترفعه عنها ، ولا توقعه على غيرها ولا يؤمن وقوع القرعة على غيرها واحتمال وقوع القرعة على غيرها كاحتمال وقوعها عليها بل هو أظهر في غيرها ; فإنهن إذا كن أربعا فاحتمال وقوعه في واحدة منهن بعينها أندر من احتمال وقوعه في واحدة من ثلاث ولذلك لو اشتبهت أخته بأجنبية أو ميتة بمذكاة أو زوجته بأجنبية أو علي وأشباه ذلك مما يطول ذكره لا تدخله قرعة فكذا هاهنا حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت في تمر
وأما حديث فهو في الميراث لا في الحل وما نعلم بالقول بها في الحل من الصحابة قائلا ( 6046 ) فصل : فعلى قول أصحابنا إذا ذكر أن المطلقة غير التي وقعت عليها القرعة فقد تبين أنها كانت محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حين طلق لا من حين ذكر ، وقوله في هذا مقبول ; لأنه يقر على نفسه وترد إليه التي خرجت عليها القرعة ; لأننا تبينا أنها غير مطلقة ، والقرعة ليست بطلاق لا صريح ولا كناية ، فإن لم تكن تزوجت ردت إليه وقبل قوله في هذا ; لأنه أمر من جهته لا يعرف إلا من قبله إلا أن تكون قد تزوجت أو يكون بحكم حاكم ; لأنها إذا تزوجت تعلق بها حق الزوج الثاني فلا يقبل قوله في فسخ نكاحه ، والقرعة من جهة الحاكم بالفرقة لا يمكن الزوج رفعها فتقع الفرقة بالزوجين علي
قال في رواية أحمد : إذا الميموني يقرع بينهن ، فإن أقرع بينهن فوقعت القرعة على واحدة ثم ذكر التي طلق ، فقال : هذه ترجع إليه والتي ذكر أنه طلق يقع الطلاق عليها ، فإن تزوجت فهذا شيء قد مر ، فإن كان الحاكم أقرع بينهن فلا أحب أن ترجع إليه ; لأن الحاكم في [ ص: 385 ] ذلك أكبر منه وقال كان له أربع نسوة فطلق واحدة منهن ولم يدر أيتهن طلق أبو بكر وابن حامد : متى أقرع ثم قال بعد ذلك : إن المطلقة غيرها وقع الطلاق بهما جميعا ولا ترجع إليه واحدة منهما ; إلا أن التي عينها بالطلاق تحرم بقوله : وترثه إن مات ولا يرثها ويجيء على قياس قولهما أن تلزمه نفقتها ولا يحل وطؤها
( 6047 ) فصل : فإن قال : هذه المطلقة قبل منه ، وإن قال : هذه المطلقة بل هذه طلقتا ; لأنه أقر بطلاق الأولى فقبل إقراره ثم قبل إقراره بطلاق الثانية ولم يقبل رجوعه عما أقر به من طلاق الأولى وكذلك لو كن ثلاثا فقال : هذه بل هذه بل هذه طلقن كلهن ، وإن قال : هذه أو هذه بل هذه طلقت الثالثة وإحدى الأوليين وإن قال : طلقت هذه بل هذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الآخرتين ، وإن أو هذه فقال قال : أنت طالق وهذه : هي كذلك ، وذكر أنه قول القاضي ، وقال الكسائي : تطلق الثانية ويبقى الشك في الأولى والثالثة ، وجه الأول أنه عطف الثانية على الأولى بغير شك ثم فصل بين الثانية والثالثة بحرف الشك فيكون الشك فيهما محمد بن الحسن
ولو طلقت الثالثة ، وكان الشك في الأوليين ويحتمل في هاتين المسألتين أن يكون الشك في الجميع ; لأنه في الأولى أتى بحرف الشك بعدهما فيعود إليهما وفي المسألة الثانية عطف الثالثة على الشك فعلى هذا إذا قال : طلقت هذه وهذه أو هذه طولب بالبيان ، فإن قال : هي الثالثة طلقت وحدها ، وإن قال : لم أطلقها طلقت الأوليان ، وإن لم يبين أقرع بين الأوليين والثالثة قال قال : طلقت هذه أو هذه وهذه في " المجرد " : وهذا أصح ، وإن قال : طلقت هذه أو هذه وهذه أخذ بالبيان فإن قال : هي الأولى طلقت وحدها القاضي
وإن قال : ليست الأولى طلقت الأخريان كما لو قال : طلقت هذه أو هاتين وليس له الوطء قبل التعيين ، فإن وطئ لم يكن تعيينا وإن ماتت إحداهما لم يتعين الطلاق في الأخرى وقال : يتعين الطلاق في الأخرى ; لأنها ماتت قبل ثبوت طلاقها ولنا أن موت إحداهما أو وطأها لا ينفي احتمال كونها مطلقة فلم يكن تعيينا لغيرها كمرضها وإن قال : طلقت هذه وهذه أو هذه وهذه فالظاهر أنه طلق اثنتين لا يدري أهما الأوليان أم الآخرتان كما لو قال : طلقت هاتين أو هاتين ، فإن قال : هما الأوليان تعين الطلاق فيهما ، وإن قال : لم أطلق الأوليين تعين الآخرتان أبو حنيفة
وإن طلقت الأولى وبقي الشك في الثلاث ، ومتى فسر كلامه بشيء محتمل قبل منه . قال : إنما أشك في طلاق الثانية والآخرتين