( 3118 ) فصل : أحدها ، ما هو من مقتضى العقد ، كاشتراط التسليم وخيار المجلس ، والتقابض في الحال . فهذا وجوده كعدمه ، لا يفيد حكما ، ولا يؤثر في العقد . الثاني ، تتعلق به مصلحة العاقدين ، كالأجل ، والخيار ، والرهن ، والضمين ، والشهادة ، أو اشتراط صفة مقصودة في المبيع ، كالصناعة والكتابة ، ونحوها . فهذا شرط جائز يلزم الوفاء به . ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافا . الثالث ، ما ليس من مقتضاه ، ولا من مصلحته ، ولا ينافي مقتضاه ، وهو نوعان ; أحدهما ، اشتراط منفعة البائع في المبيع ، فهذا قد [ ص: 157 ] مضى ذكره . والشروط تنقسم إلى أربعة أقسام
الثاني ، أن يشترط عقدا في عقد ، نحو أن يبيعه شيئا بشرط أن يبيعه شيئا آخر ، أو يشتري منه ، أو يؤجره ، أو يزوجه ، أو يسلفه ، أو يصرف له الثمن أو غيره ، فهذا شرط فاسد يفسد به البيع ، سواء اشترطه البائع أو المشتري ، وسنذكره إن شاء الله تعالى . الرابع ، اشتراط ما ينافي مقتضى البيع ، وهو على ضربين ; أحدهما ، اشتراط ما بني على التغليب والسراية ، مثل أن يشترط البائع على المشتري عتق العبد ، فهل يصح ؟ على روايتين ; إحداهما ، يصح . وهو مذهب وظاهر مذهب مالك { الشافعي . رضي الله عنها اشترت عائشة بريرة وشرط أهلها عليها عتقها وولاءها ، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم شرط الولاء ، دون العتق } والثانية ، الشرط فاسد . وهو مذهب لأن ; لأنه شرط ينافي مقتضى العقد ، أشبه إذا شرط أن لا يبيعه لأنه شرط عليه إزالة ملكه عنه ، أشبه ما لو شرط أن يبيعه . وليس في حديث أبي حنيفة أنها شرطت لهم العتق ، وإنما أخبرتهم بإرادتها لذلك من غير شرط ، فاشترطوا الولاء ، فإذا حكمنا بفساده ، فحكمه حكم سائر الشروط الفاسدة التي يأتي ذكرها . عائشة
وإن حكمنا بصحته ، فأعتقه المشتري ، فقد وفى بما شرط عليه ، وإن لم يعتقه ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يجبر ; لأن شرط العتق إذا صح ، تعلق بعينه ، فيجبر عليه ، كما لو نذر عتقه . والثاني ، لا يحبر ; لأن الشرط لا يوجب فعل المشروط ، بدليل ما لو شرط الرهن ، والضمين ، فعلى هذا يثبت للبائع خيار الفسخ ، لأنه لم يسلم له ما شرطه له ، أشبه ما لو شرط عليه رهنا .
وإن تعيب المبيع ، أو كان أمة ، فأحبلها ، أعتقه ، وأجزأه ; لأن الرق باق فيه . وإن استغله ، أو أخذ من كسبه شيئا ، فهو له . وإن مات المبيع ، رجع البائع على المشتري بما نقصه شرط العتق ، فيقال : كم قيمته لو بيع مطلقا ؟ وكم يساوي إذا بيع بشرط العتق ؟ فيرجع بقسط ذلك من ثمنه ، في أحد الوجهين وفي الآخر يضمن ما نقص من قيمته . الضرب الثاني ، أن يشترط غير العتق ; مثل أن يشترط أن لا يبيع ، ولا يهب ، ولا يعتق ، ولا يطأ . أو يشترط عليه أن يبيعه ، أو يقفه ، أو متى نفق المبيع وإلا رده ، أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن ، وإن أعتقه فالولاء له . فهذه وما أشبهها شروط فاسدة . وهل يفسد بها البيع ؟ على روايتين ; قال : المنصوص عن أحمد أن البيع صحيح . وهو ظاهر كلام القاضي هاهنا . وهو قول الخرقي الحسن ، والشعبي والنخعي والحكم ، وابن أبي ليلى . وأبي ثور
والثانية ، البيع فاسد . وهو مذهب أبي حنيفة لأن { والشافعي } ولأنه شرط فاسد ، فأفسد البيع ، كما لو شرط فيه عقدا آخر . ولأن الشرط إذا فسد ، وجب الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن ، وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولا . ولأن البائع إنما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرطه ، والمشتري كذلك إذا كان الشرط له ، فلو صح البيع بدونه ، لزال ملكه بغير رضاه ، والبيع من شرطه التراضي . ولنا ، ما روت النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط ، قالت : { عائشة بريرة ، فقالت : كاتبت أهلي على تسع أواق ، في كل عام أوقية ، فأعينيني . فقلت : إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة ، ويكون لي ولاؤك فعلت . فذهبت بريرة إلى أهلها ، فقالت لهم ، فأبوا عليها ، فجاءت من عندهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، فقالت : إني عرضت عليهم ، فأبوا ، إلا أن يكون الولاء لهم . فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : خذيها ، واشترطي الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق [ ص: 158 ] ففعلت عائشة ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ، قضاء الله أحق ، وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق عائشة } متفق عليه . فأبطل الشرط ، ولم يبطل العقد . جاءتني
قال : خبر ابن المنذر بريرة ثابت . ولا نعلم خبرا يعارضه ، فالقول به يجب . فإن قيل : المراد بقوله : " اشترطي لهم الولاء " . أي عليهم . بدليل أنه أمرها به ، ولا يأمرها بفاسد . قلنا : لا يصح هذا التأويل بوجهين ; أحدهما ، أن الولاء لها بإعتاقها فلا حاجة إلى اشتراطه . الثاني ، أنهم أبوا البيع ، إلا أن يشترط الولاء لهم ، فكيف يأمرها بما يعلم أنهم لا يقبلونه منها ؟ وأما أمره بذلك فليس هو أمرا على الحقيقة ، وإنما هو صيغة الأمر بمعنى التسوية بين الاشتراط وتركه ، كقوله تعالى { : استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } وقوله { : فاصبروا أو لا تصبروا } والتقدير : واشترطي لهم الولاء ، أو لا تشترطي . ولهذا قال عقيبه : { } . وحديثهم لا أصل له على ما ذكرنا ، وما ذكروه من المعنى في مقابلة النص غير مقبول . فإنما الولاء لمن أعتق
( 3119 ) فصل : فإن حكمنا بصحة البيع ، فللبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن . ذكره . وللمشتري الرجوع بزيادة الثمن إن كان هو المشترط ; لأن البائع إنما سمح ببيعها بهذا الثمن ، لما يحصل له من الغرض بالشرط ، والمشتري إنما سمح بزيادة الثمن من أجل شرطه ، فإذا لم يحصل غرضه ، ينبغي أن يرجع بما سمح به ، كما لو وجده معيبا . ( 3120 ) فصل : فإن حكمنا بفساد العقد ، لم يحصل به ملك ، سواء اتصل به القبض ، أو لم يتصل . ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع ، ولا هبة ، ولا عتق ، ولا غيره . وبهذا قال القاضي . وذهب الشافعي إلى أن الملك يثبت فيه إذا اتصل به القبض ، وللبائع الرجوع فيه ، فيأخذه مع الزيادة المنفصلة ، إلا أن يتصرف فيه المشتري تصرفا يمنع الرجوع فيه ، فيأخذ قيمته واحتج بحديث أبو حنيفة بريرة ; فإن اشترتها بشرط الولاء ، فأعتقتها ، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم العتق ، والبيع فاسد . عائشة
ولأن المشتري على صفة يملك المبيع ابتداء بعقد ، وقد حصل عليه الضمان للبدل عن عقد فيه تسليط ، فوجب أن يملكه ، كما لو كان العقد صحيحا . ولنا ، أنه مقبوض بعقد فاسد ، فلم يملكه ، كما لو كان الثمن ميتة ، أو دما فأما حديث بريرة فإنما يدل على صحة العقد ، لا على ما ذكروه . وليس في الحديث أن اشترتها بهذا الشرط ، بل الظاهر أن أهل عائشة بريرة حين بلغهم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشرط تركوه ، ويحتمل أن الشرط كان سابقا للعقد ، فلم يؤثر فيه .
( 3121 ) فصل : وعليه ، وإن نقص ضمن نقصه ; لأنها جملة مضمونة ، فأجزاؤها تكون مضمونة أيضا . فإن رد المبيع ، مع نمائه المتصل والمنفصل ، وأجرة مثله مدة بقائه في يده ، فعليه ضمانه بقيمته يوم التلف . قاله تلف المبيع في يد المشتري . ولأن القاضي نص عليه في الغصب ، ولأنه قبضه بإذن مالكه ، فأشبه العارية ، وذكر أحمد في الغصب ، أنه يلزمه قيمته أكثر ما كانت ، فيخرج هاهنا كذلك ، وهو أولى ; لأن العين كانت على [ ص: 159 ] ملك صاحبها في حال زيادتها ، وعليه ضمان نقصها مع زيادتها ، فكذلك في حال تلفها ، كما لو أتلفها بالجناية ، ولأصحاب الخرقي وجهان كهذين . الشافعي