( فرع ) اتفق أصحابنا على أن فله أن يقضيه مع النسك الآخر قارنا ، وله أن يقضيه متمتعا ، واتفقوا على أن للقارن والمتمتع أن يقضيا على سبيل الإفراد ، ولا يسقط دم القران بالقضاء على سبيل الإفراد ، قال من أفسد حجا مفردا أو عمرة مفردة والأصحاب : إذا أفسد القارن [ ص: 402 ] لزمه البدنة للإفساد ، ويلزمه شاة للقران ، وإذا قضاه قارنا لزمه شاة أخرى للقران الثاني ، وإن قضاه مفردا لزمه أيضا شاة أخرى ، لأنه الذي وجب عليه أن يقضي قارنا ، فلما أفرد كان متبرعا بالإفراد فلا يسقط عنه الدم ، هكذا نقله الشافعي في تعليقه عن القاضي أبو الطيب ، واتفق الأصحاب في الطريقتين على أن القارن إذا أفسده وقضاه مفردا يلزمه مع البدنة شاتان ، شاة في السنة الأولى للقران الفاسد ، وشاة في السنة الثانية لأن واجبه القران وفيه شاة ، فإذا عدل إلى الإفراد لم تسقط عنه الشاة ، وكل الأصحاب مصرحون بهذا ، منهم الشافعي في تعليقه ، الشيخ أبو حامد في كتابيه التعليق والمجرد ، والقاضي أبو الطيب والمحاملي في كتابيه ، والماوردي في الحاوي ، وابن الصباغ والمتولي ، وصاحب البيان ، وآخرون ولا خلاف فيه .
قال في تعليقه الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي في المجرد : قال والقاضي أبو الطيب : وإذا قضى القارن نسكيه مفردا لم يكن له ذلك قالوا : ومراده لم يكن له إسقاط الدم عنه بالإفراد ، بل عليه دم القران للقضاء ، وإن قضاه مفردا لم يرد أن فرض الحج والعمرة الواجبين بالقران الفاسد لا يسقطان عنه إفرادهما ، وإنما أراد أن الدم لا يسقط ، هكذا ذكر التأويل هؤلاء ونقله الشافعي الماوردي في المجرد عن أصحابنا كلهم ، ولا خلاف فيه ، وإنما بسطت هذا الكلام بعض البسط لأن عبارة والقاضي أبو الطيب المصنف غير موضحة لمقصود المسألة ، بل موهمة خلاف الصواب ، والوهم حاصل من تعليله في قوله : لا يسقط دم القران لأنه واجب عليه فلا يسقط بالإفساد ، كدم الطيب ، وهذا التعليل يوهم أنه يلزمه دم بسبب إفساد القران وأنه لا يلزمه في القضاء مفردا دم آخر ، وليس الحكم كذلك ، بل يلزمه في القضاء مفردا دم آخر بلا خلاف ، كما حكيناه عن الأصحاب ، ودليله ما ذكرناه . ويجاب عن كلام المصنف أنه ذكر أن الدم الواجب بالقران في سنة [ ص: 403 ] الإفساد لا يسقط ، ولم يقل : أنه لا يجب في القضاء مفردا دم آخر ، بل سكت عن إثباته ونفيه ، فيكون ساكتا عن مسألة ، وليس ذلك غلطا إنما هو فوات فضيلة وفائدة .
( واعلم ) أن صاحب الإبانة حكى وجها أنه لا يلزم القارن شاة في سنة الإفساد ، لأن نسكه لم يصح قرانا ، فلم يلزم الدم ، وتابعه على حكايته عنه صاحب البيان وغيره ، وهذا الوجه غلط ، وإنما أذكره للتنبيه على بطلانه لئلا يغتر به ، فإنه خطأ من حيث المذهب ، ومن حيث الدليل ، ( أما ) المذهب ، فالأصحاب مطبقون على خلافه ، ( وأما ) الدليل فلأنه يجب عليه المضي في فاسده ويبقى له حكم الصحيح ، ومن أحكام الصحيح وجوب الدم والله أعلم . قال أصحابنا : وإذا - فإن كان قبل التحليل الأول - فسد حجه وعمرته بلا خلاف ، ولزمته بدنة واحدة بسبب الإفساد لاتحاد الإحرام ، ويلزمه مع ذلك شاة للقران وفيه الوجه الضعيف المحكي عن صاحب الإنابة . وإن جامع بعد التحلل الأول وقبل الثاني لم يفسد حجه بلا خلاف ، ولا تفسد عمرته أيضا على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه حكاه جامع القارن البغوي وغيره عن أبي بكر الأودني من متقدمي أصحابنا أنه تفسد عمرته ، لأنه لم يأت بشيء من أعمالها ، قال البغوي وغيره ممن حكى هذا الوجه : هذا غلط ، لأن العمرة في القران تتبع الحج ، فإذا لم يفسد الحج لم تفسد العمرة ، ولهذا يحل للقارن معظم محظورات الإحرام بعد التحلل الأول ، وإن لم يأت بأعمال العمرة لأنه لو فاته الوقوف بعرفات فاته الحج ، وكذا العمرة على الصحيح كما سنذكره قريبا إن شاء الله - تعالى - . فإن كان وقت العمرة موسعا ، ولأنه لو قدم القارن مكة وطاف وسعى ثم جامع ، بطل حجه وعمرته وإن كان قد فرغ من أعمال العمرة ، والله أعلم .