أما قوله : ( في ظلل من الغمام ) فاعلم أن "الظلل" جمع ظلة ، وهي ما أظلك الله به ، "والغمام" لا يكون كذلك إلا إذا كان مجتمعا متراكما ، فالظلل من الغمام عبارة عن قطع متفرقة ، كل قطعة منها تكون في غاية الكثافة والعظم ، فكل قطعة ظلة ، والجمع ظلل ، قال تعالى : ( وإذا غشيهم موج كالظلل ) [لقمان : 32] وقرأ بعضهم : "إلا أن يأتيهم الله في ظلال من الغمام" فيحتمل أن يكون الظلال جمع ظلة ، كقلال وقلة ، وأن يكون جمع ظل .
[ ص: 185 ] إذا عرفت هذا فنقول : المعنى ما ينظرون إلا أن يأتيهم قهر الله وعذابه في ظلل من الغمام .
فإن قيل : ولم يأتيهم العذاب في الغمام ؟
قلنا : لوجوه :
أحدها : أن الغمام مظنة الرحمة ، فإذا نزل منه العذاب كان الأمر أفظع ، لأن الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أهول وأفظع ، كما أن الخير إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أكثر تأثيرا في السرور ، فكيف إذا جاء الشر من حيث يحتسب الخير ، ومن هذا اشتد على المتفكرين في كتاب الله تعالى قوله : ( وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) [الزمر : 47] .
وثانيها : أن قال تعالى : ( نزول الغمام علامة لظهور ما يكون أشد الأهوال في القيامة ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ) [الفرقان : 25 ، 26] .
وثالثها : أن الغمام تنزل عنه قطرات كثيرة غير محصورة ولا محدودة ، فكذا هذا الغمام ينزل عنه قطرات العذاب نزولا غير محصور .
أما قوله تعالى : ( والملائكة ) فهو عطف على ما سبق ، والتقدير : وتأتيهم الملائكة ، وإتيان الملائكة يمكن أن يحمل على الحقيقة ، فوجب حمله عليها فصار المعنى أن يأتي أمر الله وآياته والملائكة مع ذلك يأتون ليقوموا بما أمروا به من إهانة أو تعذيب أو غيرهما من أحكام يوم القيامة .