أما قوله تعالى : ( وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ) ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : المراد بقوله : ( وإن الذين أوتوا الكتاب ) اليهود خاصة ، والكتاب هو التوراة عن السدي ، وقيل : بل المراد أحبار اليهود وعلماء النصارى وهو الصحيح لعموم اللفظ ، والكتاب المتقدم هو التوراة والإنجيل ، ولا بد أن يكونوا عددا قليلا ؛ لأن الكثير لا يجوز عليهم التواطؤ على الكتمان .
المسألة الثانية : الضمير في قوله : ( أنه الحق ) راجع إلى مذكور سابق ، وقد تقدم ذكر الرسول كما تقدم ذكر القبلة ، فجاز أن يكون المراد أن القوم يعلمون أن فيشتمل ذلك على أمر القبلة وغيرها ، ويحتمل أن يرجع إلى هذا التكليف الخاص بالقبلة ، وأنهم يعلمون أنه الحق ، وهذا الاحتمال الأخير أقرب ؛ لأنه أليق بالكلام إذ المقصود بالآية ذلك دون غيره ، ثم اختلفوا في أنهم كيف عرفوا ذلك ؟ وذكروا فيه وجوها : الرسول مع شرعه ونبوته حق
أحدها : أن اليهود كانوا عرفوا في كتب أنبيائهم خبر الرسول وخبر القبلة وأنه يصلي إلى القبلتين . قوما من علماء
وثانيها : أنهم كانوا يعلمون أن الكعبة هي البيت العتيق الذي جعله الله تعالى قبلة لإبراهيم ، وإسماعيل عليهما السلام .
وثالثها : أنهم كانوا يعلمون نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر عليه من المعجزات ، ومتى علموا نبوته فقد علموا لا محالة أن كل ما أتى به فهو حق ، فكان هذا التحويل حقا .