المسألة الثالثة : الكفار لما شتموه ، فهو تعالى أجاب عنه من غير واسطة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إن شانئك هو الأبتر ) وهكذا سنة الأحباب ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=30614_31033الحبيب إذا سمع من يشتم حبيبه تولى بنفسه جوابه ، فههنا تولى الحق سبحانه جوابهم ، وذكر مثل ذلك في مواضع حين قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أافترى على الله كذبا أم به جنة ) [ سبأ : 7 ] فقال سبحانه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) [ سبأ : 8 ] وحين قالوا : هو مجنون أقسم ثلاثا ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) [ القلم : 2 ] ولما قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43لست مرسلا ) [ الرعد : 43 ] أجاب فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2والقرآن الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=3إنك لمن المرسلين ) [ يس : 3 ] وحين قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=36أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون ) [ الصافات : 36 ] رد عليهم وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=37بل جاء بالحق وصدق المرسلين ) [ الصافات : 37 ] فصدقه ، ثم ذكر وعيد خصمائه ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=38إنكم لذائقو العذاب الأليم ) [ الصافات : 38 ] وحين قال حاكيا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=30أم يقولون شاعر ) [ الطور : 30 ] قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما علمناه الشعر ) [ يس : 69 ] ولما حكى عنهم قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ) [ الفرقان : 4 ] سماهم كاذبين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4فقد جاءوا ظلما وزورا ) [ الفرقان : 4 ] ولما قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ) [ الفرقان : 7 ] أجابهم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) [ الفرقان : 20 ] فما أجل هذه الكرامة .
المسألة الرابعة : اعلم أنه تعالى لما بشره بالنعم العظيمة ، وعلم تعالى أن
nindex.php?page=treesubj&link=30614النعمة لا تهنأ إلا إذا صار العدو مقهورا ، لا جرم وعده بقهر العدو ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إن شانئك هو الأبتر ) وفيه لطائف :
إحداها : كأنه تعالى يقول : لا أفعله لكي يرى بعض أسباب دولتك ، وبعض أسباب محنة نفسه فيقتله الغيظ .
وثانيها : وصفه بكونه شانئا ، كأنه تعالى يقول : هذا الذي يبغضك لا يقدر على شيء آخر سوى أنه يبغضك ، والمبغض إذا عجز عن الإيذاء ، فحينئذ يحترق قلبه غيظا وحسدا ، فتصير تلك العداوة من أعظم أسباب حصول المحنة لذلك العدو .
وثالثها : أن هذا الترتيب يدل على أنه إنما صار أبتر ؛ لأنه كان شانئا له ومبغضا ، والأمر بالحقيقة كذلك ، فإن من عادى محسودا فقد عادى الله تعالى ، لا سيما من تكفل بإعلاء شأنه وتعظيم مرتبته .
ورابعها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=29284_30614العدو وصف محمدا عليه الصلاة والسلام بالقلة والذلة ، ونفسه بالكثرة والدولة ، فقلب الله الأمر عليه ، وقال العزيز من أعزه الله ، والذليل من أذله الله ، فالكثرة والكوثر
لمحمد عليه السلام ، والأبترية والدناءة والذلة للعدو ، فحصل بين أول السورة وآخرها نوع من المطابقة لطيف .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْكُفَّارُ لَمَّا شَتَمُوهُ ، فَهُوَ تَعَالَى أَجَابَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) وَهَكَذَا سُنَّةُ الْأَحْبَابِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30614_31033الْحَبِيبَ إِذَا سَمِعَ مَنْ يَشْتُمُ حَبِيبَهُ تَوَلَّى بِنَفْسِهِ جَوَابَهُ ، فَهَهُنَا تَوَلَّى الْحَقُّ سُبْحَانَهُ جَوَابَهُمْ ، وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ حِينَ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=7هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ) [ سَبَأٍ : 7 ] فَقَالَ سُبْحَانَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=8بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) [ سَبَأٍ : 8 ] وَحِينَ قَالُوا : هُوَ مَجْنُونٌ أَقْسَمَ ثَلَاثًا ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) [ الْقَلَمِ : 2 ] وَلَمَّا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=43لَسْتَ مُرْسَلًا ) [ الرَّعْدِ : 43 ] أَجَابَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=1يس nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=2وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=3إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) [ يس : 3 ] وَحِينَ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=36أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ) [ الصَّافَّاتِ : 36 ] رَدَّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=37بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ) [ الصَّافَّاتِ : 37 ] فَصَدَّقَهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ وَعِيدَ خُصَمَائِهِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=38إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ) [ الصَّافَّاتِ : 38 ] وَحِينَ قَالَ حَاكِيًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=30أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ ) [ الطُّورِ : 30 ] قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ) [ يس : 69 ] وَلَمَّا حَكَى عَنْهُمْ قَوْلَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) [ الْفُرْقَانِ : 4 ] سَمَّاهُمْ كَاذِبِينَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=4فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ) [ الْفُرْقَانِ : 4 ] وَلَمَّا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ) [ الْفُرْقَانِ : 7 ] أَجَابَهُمْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ) [ الْفُرْقَانِ : 20 ] فَمَا أَجَلَّ هَذِهِ الْكَرَامَةَ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَشَّرَهُ بِالنِّعَمِ الْعَظِيمَةِ ، وَعَلِمَ تَعَالَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30614النِّعْمَةَ لَا تَهْنَأُ إِلَّا إِذَا صَارَ الْعَدُوُّ مَقْهُورًا ، لَا جَرَمَ وَعَدَهُ بِقَهْرِ الْعَدُوِّ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=108&ayano=3إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ) وَفِيهِ لَطَائِفُ :
إِحْدَاهَا : كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : لَا أَفْعَلُهُ لِكَيْ يَرَى بَعْضَ أَسْبَابِ دَوْلَتِكَ ، وَبَعْضَ أَسْبَابِ مِحْنَةِ نَفْسِهِ فَيَقْتُلَهُ الْغَيْظُ .
وَثَانِيهَا : وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ شَانِئًا ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : هَذَا الَّذِي يُبْغِضُكَ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ سِوَى أَنَّهُ يُبْغِضُكَ ، وَالْمُبْغِضُ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْإِيذَاءِ ، فَحِينَئِذٍ يَحْتَرِقُ قَلْبُهُ غَيْظًا وَحَسَدًا ، فَتَصِيرُ تِلْكَ الْعَدَاوَةُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ حُصُولِ الْمِحْنَةِ لِذَلِكَ الْعَدُوِّ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا صَارَ أَبْتَرَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ شَانِئًا لَهُ وَمُبْغِضًا ، وَالْأَمْرُ بِالْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ ، فَإِنَّ مَنْ عَادَى مَحْسُودًا فَقَدْ عَادَى اللَّهَ تَعَالَى ، لَا سِيَّمَا مَنْ تَكَفَّلَ بِإِعْلَاءِ شَأْنِهِ وَتَعْظِيمِ مَرْتَبَتِهِ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29284_30614الْعَدُوَّ وَصَفَ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ ، وَنَفْسَهُ بِالْكَثْرَةِ وَالدَّوْلَةِ ، فَقَلَبَ اللَّهُ الْأَمْرَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الْعَزِيزُ مَنْ أَعَزَّهُ اللَّهُ ، وَالذَّلِيلُ مَنْ أَذَلَّهُ اللَّهُ ، فَالْكَثْرَةُ وَالْكَوْثَرُ
لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالْأَبْتَرِيَّةُ وَالدَّنَاءَةُ وَالذِّلَّةُ لِلْعَدُوِّ ، فَحَصَلَ بَيْنَ أَوَّلِ السُّورَةِ وَآخِرِهَا نَوْعٌ مِنَ الْمُطَابَقَةِ لِطَيْفٌ .