(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) إشارة إلى أن الأمر غير مقتصر على انهزامهم وإدبارهم بل الأمر أعظم منه ، فإن الساعة موعدهم فإنه ذكر ما يصيبهم في الدنيا من الدبر ، ثم بين ما هو منه على طريقة الإصرار ، هذا قول أكثر المفسرين ، والظاهر أن
nindex.php?page=treesubj&link=30291_30180الإنذار بالساعة عام لكل من تقدم ، كأنه قال : أهلكنا الذين كفروا من قبلك وأصروا ، وقوم
محمد عليه السلام ليسوا بخير منهم فيصيبهم ما أصابهم إن أصروا ، ثم إن
nindex.php?page=treesubj&link=30431_30443عذاب الدنيا ليس لإتمام المجازاة فإتمام المجازاة بالأليم الدائم . وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ما
nindex.php?page=treesubj&link=28766_29494_28787الحكمة في كون اختصاص الساعة موعدهم مع أنها موعد كل أحد ؟ نقول : الموعد الزمان الذي فيه الوعد والوعيد ،
nindex.php?page=treesubj&link=29675_19572_19577_19579والمؤمن موعود بالخير ومأمور بالصبر فلا يقول هو : متى يكون ، بل يفوض الأمر إلى الله ، وأما الكافر فغير مصدق فيقول : متى يكون العذاب ؟ فيقال له : اصبر فإنه آت يوم القيامة ، ولهذا كانوا يقولون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16عجل لنا قطنا ) [ ص : 16 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=47ويستعجلونك بالعذاب ) [ الحج : 47 ] .
المسألة الثانية : أدهى من أي شيء ؟ نقول : يحتمل وجهين :
أحدهما : ما مضى من أنواع عذاب الدنيا .
ثانيهما : أدهى الدواهي فلا داهية مثلها .
المسألة الثالثة : ما المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46وأمر ) ؟ قلنا : فيه وجهان :
أحدهما : هو مبالغة من المر وهو مناسب لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=39فذوقوا عذابي ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=48ذوقوا مس سقر ) وعلى هذا فأدهى أي : أشد وأمر أي آلم ، والفرق بين الشديد والأليم أن الشديد يكون إشارة إلى أنه لا يطيقه أحد لقوته ولا يدفعه أحد بقوته ، مثاله ضعيف ألقي في ماء يغلبه أو نار لا يقدر على الخلاص منها ، وقوي ألقي في بحر أو نار عظيمة يستويان في الألم والعذاب ، ويتساويان في الإيلام ، لكن يفترقان في الشدة فإن نجاة الضعيف من الماء الضعيف بإعانة معين ممكن ، ونجاة القوي من البحر العظيم غير ممكن .
ثانيهما : أمر مبالغة في المار إذ هي أكثر مرورا بهم إشارة إلى الدوام ، فكأنه يقول :
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30431أشد وأدوم ، وهذا مختص بعذاب الآخرة ، فإن عذاب الدنيا إن اشتد قتل المعذب وزال فلا يدوم ، وإن دام بحيث لا يقتل فلا يكون شديدا .
ثالثها : أنه المرير وهو من المرة التي هي الشدة ، وعلى هذا فإما أن يكون الكلام كما يقول القائل : فلان نحيف نحيل وقوي شديد ، فيأتي بلفظين مترادفين إشارة إلى التأكيد وهو ضعيف ، وإما أن يكون " أدهى " مبالغة من الداهية التي هي اسم الفاعل من دهاه أمر كذا إذا أصابه ، وهو أمر صعب لأن الداهية صارت كالاسم الموضوع للشديد على وزن الباطية والسائبة التي لا تكون من أسماء الفاعلين ، وإن كانت الداهية أصلها ذلك ، غير أنها استعملت استعمال الأسماء وكتبت في أبوابها وعلى هذا يكون معناه ألزم وأضيق ، أي هي بحيث لا تدفع .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ غَيْرَ مُقْتَصِرٍ عَلَى انْهِزَامِهِمْ وَإِدْبَارِهِمْ بَلِ الْأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْهُ ، فَإِنَّ السَّاعَةَ مَوْعِدُهُمْ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّبُرِ ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا هُوَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِصْرَارِ ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30291_30180الْإِنْذَارَ بِالسَّاعَةِ عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ تَقَدَّمَ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَهْلَكْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلِكَ وَأَصَرُّوا ، وَقَوْمُ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسُوا بِخَيْرٍ مِنْهُمْ فَيُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِنْ أَصَرُّوا ، ثُمَّ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30431_30443عَذَابَ الدُّنْيَا لَيْسَ لِإِتْمَامِ الْمُجَازَاةِ فَإِتْمَامُ الْمُجَازَاةِ بِالْأَلِيمِ الدَّائِمِ . وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : مَا
nindex.php?page=treesubj&link=28766_29494_28787الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ اخْتِصَاصِ السَّاعَةِ مَوْعِدَهُمْ مَعَ أَنَّهَا مَوْعِدُ كُلِّ أَحَدٍ ؟ نَقُولُ : الْمَوْعِدُ الزَّمَانُ الَّذِي فِيهِ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29675_19572_19577_19579وَالْمُؤْمِنُ مَوْعُودٌ بِالْخَيْرِ وَمَأْمُورٌ بِالصَّبْرِ فَلَا يَقُولُ هُوَ : مَتَى يَكُونُ ، بَلْ يُفَوِّضُ الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَغَيْرُ مُصَدِّقٍ فَيَقُولُ : مَتَى يَكُونُ الْعَذَابُ ؟ فَيُقَالُ لَهُ : اصْبِرْ فَإِنَّهُ آتٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلِهَذَا كَانُوا يَقُولُونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=16عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا ) [ ص : 16 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=47وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ) [ الْحَجِّ : 47 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : أَدْهَى مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ؟ نَقُولُ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مَا مَضَى مِنْ أَنْوَاعِ عَذَابِ الدُّنْيَا .
ثَانِيهِمَا : أَدْهَى الدَّوَاهِي فَلَا دَاهِيَةَ مِثْلُهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : مَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=46وَأَمَرُّ ) ؟ قُلْنَا : فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : هُوَ مُبَالَغَةٌ مِنَ الْمُرِّ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=39فَذُوقُوا عَذَابِي ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=48ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ) وَعَلَى هَذَا فَأَدْهَى أَيْ : أَشَدُّ وَأَمَرُّ أَيْ آلَمُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّدِيدِ وَالْأَلِيمِ أَنَّ الشَّدِيدَ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَا يُطِيقُهُ أَحَدٌ لِقُوَّتِهِ وَلَا يَدْفَعُهُ أَحَدٌ بِقُوَّتِهِ ، مِثَالُهُ ضَعِيفٌ أُلْقِيَ فِي مَاءٍ يَغْلِبُهُ أَوْ نَارٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا ، وَقَوِيٌّ أُلْقِيَ فِي بَحْرٍ أَوْ نَارٍ عَظِيمَةٍ يَسْتَوِيَانِ فِي الْأَلَمِ وَالْعَذَابِ ، وَيَتَسَاوَيَانِ فِي الْإِيلَامِ ، لَكِنْ يَفْتَرِقَانِ فِي الشِّدَّةِ فَإِنَّ نَجَاةَ الضَّعِيفِ مِنَ الْمَاءِ الضَّعِيفِ بِإِعَانَةِ مُعِينٍ مُمْكِنٌ ، وَنَجَاةَ الْقَوِيِّ مِنَ الْبَحْرِ الْعَظِيمِ غَيْرُ مُمْكِنٍ .
ثَانِيهِمَا : أَمَرُّ مُبَالِغَةٌ فِي الْمَارِّ إِذْ هِيَ أَكْثَرُ مُرُورًا بِهِمْ إِشَارَةً إِلَى الدَّوَامِ ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30431أَشُدُّ وَأَدْوَمُ ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا إِنِ اشْتَدَّ قُتِلَ الْمُعَذَّبُ وَزَالَ فَلَا يَدُومُ ، وَإِنْ دَامَ بِحَيْثُ لَا يُقْتَلُ فَلَا يَكُونُ شَدِيدًا .
ثَالِثُهَا : أَنَّهُ الْمَرِيرُ وَهُوَ مِنَ الْمِرَّةِ الَّتِي هِيَ الشِّدَّةُ ، وَعَلَى هَذَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : فُلَانٌ نَحِيفٌ نَحِيلٌ وَقَوِيٌّ شَدِيدٌ ، فَيَأْتِي بِلَفْظَيْنِ مُتَرَادِفَيْنِ إِشَارَةً إِلَى التَّأْكِيدِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ " أَدْهَى " مُبَالَغَةً مِنَ الدَّاهِيَةِ الَّتِي هِيَ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ دَهَاهُ أَمْرُ كَذَا إِذَا أَصَابَهُ ، وَهُوَ أَمْرٌ صَعْبٌ لِأَنَّ الدَّاهِيَةَ صَارَتْ كَالِاسْمِ الْمَوْضُوعِ لِلشَّدِيدِ عَلَى وَزْنِ الْبَاطِيَةِ وَالسَّائِبَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ الْفَاعِلِينَ ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّاهِيَةُ أَصْلُهَا ذَلِكَ ، غَيْرَ أَنَّهَا اسْتُعْمِلَتِ اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ وَكُتِبَتْ فِي أَبْوَابِهَا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَضْيَقَ ، أَيْ هِيَ بِحَيْثُ لَا تُدْفَعُ .