[ ص: 44 ] ( كذبت ثمود بالنذر )
فقال : ( كذبت ثمود بالنذر ) وقد تقدم تفسيره غير أنه في قصة عاد قال : ( كذبت ) ولم يقل : بالنذر ، وفي قصة نوح قال : ( كذبت قوم نوح المرسلين ) فنقول : هذا يؤيد ما ذكرنا من أن المراد بقوله : ( كذبت قبلهم قوم نوح ) [ غافر : 5 ] أن عادتهم ومذهبهم إنكار الرسل وتكذيبهم فكذبوا نوحا بناء على مذهبهم ، وإنما صرح هاهنا لأن كل قوم يأتون بعد قوم ، وأتاهما رسولان فالمكذب المتأخر يكذب المرسلين جميعا حقيقة ، والأولون يكذبون رسولا واحدا حقيقة ، ويلزمهم تكذيب من بعده بناء على ذلك ؛ لأنهم لما كذبوا من تقدم في قوله : الله تعالى واحد ، والحشر كائن ، ومن أرسل بعده كذلك قوله ومذهبه لزم منه أن يكذبوه ، ويدل على هذا أن الله تعالى قال في قوم نوح : ( فكذبوه فأنجيناه ) [ الأعراف : 64 ] وقال في عاد : ( وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله ) [ هود : 59 ] وأما قوله تعالى : ( كذبت قوم نوح المرسلين ) [ الشعراء : 105 ] فإشارة إلى أنهم كذبوا وقالوا ما يفضي إلى تكذيب جميع المرسلين ؛ ولهذا ذكره بلفظ الجمع المعرف للاستغراق ، ثم إنه تعالى قال هناك عن نوح : ( رب إن قومي كذبون ) [ الشعراء : 117 ] ولم يقل : كذبوا رسلك إشارة إلى ما صدر منهم حقيقة لا أن ما ألزمهم لزمه . إذا عرفت هذا فلما سبق ذكر رسولين ورسولهم ثالثهم قال : ( قصة ثمود كذبت ثمود بالنذر ) هذا كله إذا قلنا : إن النذر جمع نذير بمعنى منذر ، أما إذا قلنا : إنها الإنذارات فنقول : قوم نوح وعاد لم تستمر المعجزات التي ظهرت في زمانهم ، وأما ، وكانت تدور بينهم وكذبوا فكان تكذيبهم بإنذارات وآيات ظاهرة فصرح بها ، وقوله : ( ثمود فأنذروا وأخرج لهم ناقة من صخرة فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه ) يؤيد الوجه الأول ، لأن من يقول : لا أتبع بشرا مثلي وجميع المرسلين من البشر يكون مكذبا للرسل والباء في قوله : ( بالنذر ) يؤيد الوجه الثاني ؛ لأنا بينا أن الله تعالى في تكذيب الرسل عدى التكذيب بغير حرف ، فقال : "كذبوه" و"كذبوا" رسلنا و"كذبوا عبدنا" و"كذبوني" ، وقال : " وكذبوا بآيات ربهم " " وبآياتنا " فعدى بحرف لأن التكذيب هو النسبة إلى الكذب ، والقائل هو الذي يكون كاذبا حقيقة ، والكلام والقول يقال فيه كاذب مجازا وتعلق التكذيب بالقائل أظهر ، فيستغني عن الحرف بخلاف القول ، وقد ذكرنا ذلك وبيناه بيانا شافيا .