( يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج )
ثم قال تعالى : ( يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ) هذا تحقيق ما بينا من الفائدة في قوله واستمع أي ، وبيانه هو أنه قال استمع أي كن قبل أن تستمع مستيقظا لوقوعه ، فإن السمع لا بد منه أنت وهم فيه سواء فهم يسمعون لكن من غير استماع ; فيصعقون وأنت تسمع بعد الاستماع فلا يؤثر فيك إلا ما لا بد منه . لا تكن من الغافلين حتى لا تصعق يوم الصيحة
(ويوم ) يحتمل وجوها :
أحدها : ما قاله أنه بدل من يوم في قوله : ( الزمخشري واستمع يوم ينادي المنادي ) والعامل فيهما الفعل الذي يدل عليه قوله تعالى : ( ذلك يوم الخروج ) [ ق : 42 ] أي يخرجون يوم يسمعون .
ثانيها : أن " يوم يسمعون " العامل فيه ما في قوله : ( ذلك ) ( يوم ينادي المنادي ) العامل فيه ما ذكرنا .
ثالثها : أن يقال " استمع " عامل في يوم ينادي كما ذكرنا وينادي عامل في يسمعون ، وذلك لأن يوم ينادي ، وإن لم يجز أن يكون منصوبا بالمضاف إليه ، وهو ينادي لكن غيره يجوز أن يكون منصوبا به ، يقال : اذكر حال زيد ومذلته يوم ضربه عمرو ، ويوم كان عمرو واليا ، إذا كان القائل يريد [ ص: 163 ] بيان مذلة زيد عندما صار زيد يكرم بسبب من الأسباب ، فلا يكون يوم كان عمرو واليا منصوبا بقوله اذكر لأن غرض القائل التذكير بحال زيد ومذلته وذلك يوم الضرب ، لكن يوم كان عمرو منصوب بقوله ضربه عمرو يوم كان واليا ، فكذلك ههنا قال : ( واستمع يوم ينادي المنادي ) لئلا تكون ممن يفزع ويصعق ، ثم بين هذا النداء بقوله : ( ينادي المنادي ) يوم يسمعون أي لا يكون نداء خفيا بحيث لا يسمعه بعض الناس بل يكون نداؤه بحيث تكون نسبته إلى من في أقصى المغرب كنسبته إلى من في المشرق ، وكلكم تسمعون ، ولا شك أن مثل هذا الصوت يجب أن يكون الإنسان متهيئا لاستماعه ، وذلك فظهر فائدة جليلة من قوله :" فاصبر ، وسبح ، واستمع يوم ينادي المنادي ، ويوم يسمعون " واللام في الصيحة للتعريف ، وقد عرف حالها وذكرها الله مرارا كما في قوله تعالى : ( يشغل النفس بعبادة الله تعالى وذكره والتفكر فيه إن كانت إلا صيحة واحدة ) [ يس : 29 ] وقوله ( فإنما هي زجرة واحدة ) [ الصافات : 19 ] وقوله : ( نفخة واحدة ) [ الحاقة : 13 ] , وقوله : ( بالحق ) جاز أن يكون متعلقا بالصيحة أي الصيحة بالحق يسمعونها ، وعلى هذا ففيه وجوه :
الأول : الحق الحشر أي وهو حق يسمعونها يقال صاح زيد بيا قوم اجتمعوا على حد استعمال تكلم بهذا الكلام وتقديره حينئذ يسمعون الصيحة بيا عظام اجتمعي وهو المراد بالحق . الصيحة بالحشر
الثاني : الصيحة بالحق أي باليقين والحق هو اليقين ، يقال صاح فلان بيقين لا بظن وتخمين أي وجد منه الصياح يقينا لا كالصدى وغيره وهو يجري مجرى الصفة للصيحة ، يقال استمع سماعا بطلب ، وصاح صيحة بقوة أي قوية فكأنه قال الصيحة المحققة .
الثالث : أن يكون معناه الصيحة المقترنة بالحق وهو الوجود ، يقال كن فيتحقق ويكون ، ويقال اذهب بالسلامة وارجع بالسعادة أي مقرونا ومصحوبا ، فإن قيل زد بيانا فإن الباء في الحقيقة للإلصاق فكيف يفهم معنى الإلصاق في هذه المواضع ؟ نقول التعدية قد تتحقق بالباء يقال ذهب بزيد على معنى ألصق الذهاب بزيد فوجد قائما به فصار مفعولا ، فعلى قولنا المراد يسمعون صيحة من صاح بيا عظام اجتمعي هو تعدية المصدر بالباء يقال أعجبني ذهاب زيد بعمرو ، وكذلك قوله : ( الصيحة بالحق ) أي ارفع الصوت على الحق وهو الحشر ، وله موعد نبينه في موضع آخر إن شاء الله تعالى .
الوجه الثاني : أن يكون الحق متعلقا بقوله : ( يسمعون ) أي يسمعون الصيحة بالحق وفيه وجهان :
الأول : هو قول القائل سمعته بيقين .
الثاني : الباء في يسمعون بالحق قسم أي يسمعون الصيحة بالله الحق وهو ضعيف وقوله تعالى : ( ذلك يوم ) [ق: 42] فيه وجهان :
أحدهما : ذلك إشارة إلى يوم أي ذلك اليوم يوم الخروج .
ثانيهما : ذلك إشارة إلى نداء المنادي .