( إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون )
[ ص: 53 ] ثم قال تعالى : ( إني إذا لفي ضلال مبين ) يعني إن فعلت فأنا ضال ضلالا بينا ، والمبين مفعل بمعنى فعيل ، كما جاء عكسه فعيل بمعنى مفعل في قوله : أليم أي مؤلم ، ويمكن أن يقال : ضلال مبين أي مظهور الأمر للناظر ، والأول هو الصحيح .
ثم قال تعالى : ( إني آمنت بربكم فاسمعون ) في المخاطب بقوله : ( بربكم ) وجوه :
أحدها : هم المرسلون ، قال المفسرون : أقبل القوم عليه يريدون قتله ، فأقبل هو على المرسلين ، وقال : إني آمنت بربكم فاسمعوا قولي واشهدوا لي .
وثانيها : هم الكفار كأنه لما نصحهم وما نفعهم ، قال : فأنا آمنت فاسمعون .
ثالثها : بربكم أيها السامعون فاسمعون على العموم ، كما قلنا في قول الواعظ حيث يقول : يا مسكين ما أكثر أملك وما أنزر عملك يريد به كل سامع يسمعه ، وفي قوله : ( فاسمعون ) فوائد :
إحداها : أنه كلام مترو متفكر حيث قال : ( فاسمعون ) فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه جماعة سامعين يتفكر .
والثانية : أن يكون المراد السماع الذي بمعنى القبول ، يقول القائل : نصحته فسمع قولي أي قبله ، فإن قلت : لم قال من قبل : ( وما لي لا أعبد الذي فطرني ) وقال ههنا : ( آمنت بربكم ) ولم يقل : آمنت بربي ؟ نقول : قولنا : الخطاب مع الرسل أمر ظاهر ، لأنه لما قال : آمنت بربكم ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه ، ولو قال : بربي لعلهم كانوا يقولون : كل كافر يقول : لي رب ، وأنا مؤمن بربي ، وأما على قولنا : الخطاب مع الكفار ، ففيه بيان للتوحيد ، وذلك لأنه لما قال : ( أعبد الذي فطرني ) ثم قال : ( آمنت بربكم ) فهم أنه يقول : وهو بعينه ربكم ، بخلاف ما لو قال : آمنت بربي ، فيقول الكافر : وأنا أيضا آمنت بربي ، ومثل هذا قوله تعالى : ( ربي وربكم واحد ، وهو الذي فطرني الله ربنا وربكم ) . ( الشورى : 15 ) .